فصل: علماء الهند

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أبجد العلوم **


 علماء الهند

تقدم في القسم الأول من هذا الكتاب، أن علماء الملة الإسلامية في العلوم الشرعية والعقلية، أكثرهم من العجم، وقليل من منهم من العرب، فالأعاجم هم سباق حلبة العلوم، وفرسان معركة المنطوق والمفهوم، تعاطوا من دنان الحكم أصفى الحميا، وتناولوا من غوامض العلوم ما كان بالثريا، ولكن الله تعالى بعث ‏(‏3/ 214‏)‏ في الأميين رسولا عربيا، نسخ جميع الكتب والأديان، وجاء الناس باليمن والإيمان، وأخذ بنواصي كافة الأمم، وألزم طاعته على رقاب العرب والعجم، وهذا الفخر كاف للعرب العرباء، واف في باب العلياء، لا يدانيهم فيه أحد من الأعاجم، ولا يبلغ شأوه فرد من الأعاظم‏.‏

ولما ورد الإسلام قِبَلَ الهند، بالإيران والتوران، وكشف نوره الأتم أغطية الظلم عن هذه البلدان، نشأت العلوم الإسلامية سابقا بتلك البلاد، وترعرعت بها أغصان هذا الشجر المياد‏.‏

وأما الهند‏:‏ فقد فُتح في عهد الوليد بن عبد الملك، على يد محمد بن قاسم الثقفي، سنة اثنتين وتسعين الهجرية، وبلغت راياته المظلة على الفوج، من حدود السند إلى أقصى قنوج، سنة خمس وتسعين، وبعد ما عاد ولاة الهند إلى أمكنتهم، وبقي الحكام من الخلفاء المروانية والعباسية ببلاد السند، وقصد السلطان محمود الغزنوي - أواخر المائة الرابعة - غزو الهند، وأتى مرارا، وغلب، وأخذ الغنائم، وانتزع السند من الحكام، الذين كانوا من قبل القادر بالله بن المقتدر العباسي، لكن السلطان محمود لم يقم بالهند، وكان أولاده متصرفين من غزنين إلى لاهور، حتى استولى السلطان‏:‏ معز الدين سام الغوري على غزنين، وأتى لاهور، وقبض على خسرو - ملك خاتم الملوك الغزنوية -، وضبط الهند، وجعل دهلي دار الملك، سنة تسع وثمانين وخمسمائة هـ، ومن هذا التاريخ إلى آخر المائة الثانية عشر، كانت ممالك الهند في يد السلاطين الإسلامية‏.‏

ولما انتشر الإسلام في هذه البلاد، وطلعت شموسه البازعة على الأغوار والأنجاد، وعلت الكلمة الطيبة في هذه الغبراء، واجتمعت بشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، ظهر بها جمع من العلماء والأدباء الإسلامية، الناثرين على بسط الأزمنة لآلي من السحب الأقلامية، لكن لم يعمد أحد منهم إلى ضبط تراجمهم، ولم يجتن جان زهرا من حواجمهم، إلا نزرا يسيرا، ولذلك لا ترى من ‏(‏3/ 215‏)‏ السلف والخلف كتابا مستقلا في هذا الباب، لا على طريق الإيجاز، ولا على سبيل الإطناب، ألا ترى أن ‏(‏عين العلم‏)‏ كتاب مفيد، مصنفه - على الأصح - من أهل الهند، كما ذكر ذلك علي القاري في شرحه له، على ما صرح به الحافظ‏:‏ ابن حجر العسقلاني - رحمه الله -، ومع وجود مثل هذا الكتاب لم يعرف واحد من مؤرخي الهند خبره، وما أبقى الزمان الجائر - مع إبقاء الكتاب - أثره، ومن ثم اندرست آثار جمٍّ غفير من العلماء الأجلاء، واندثرت معالم كانت أفلاذ كبد الدهناء‏:‏

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ** أنيس ولم يسمر بمكة سامر

بلى نحن كنا أهلها فأبادنا ** صروف الليالي والخطوب الزواجر

وبالجملة‏:‏ قد خرج من أرض الهند جماعة كبيرة من العلماء الفضلاء، وطلع من بلادها طائفة من النبلاء الأدباء، قديما وحديثا، وإن لم يسر بذكرهم الركبان سيرا حثيثا، وقد كنت يخطر ببالي أن أجمع لتراجمهم كتابا مستقلا، لا يغادر صغيرا ولا كبيرا، وأرتب لذكرهم سفرا مفردا، يثبت لهم ذكرا جميلا، وفضلا كثيرا، لكن عاقني عن ذلك كثرة الأشغال، وتشتت البال، من تغير الأحوال، حتى لم تتيسر تلك الأمنية إلى الآن، فاقتصرت في تذكارهم في هذا الكتاب، على ما وجدته في كتاب‏:‏ ‏(‏سبحة المرجان‏)‏، مع زيادة يسيرة من تراجم المتأخرين، الذين هم من العلم والفضل بمكان مكين، فأقول، وبالله أحول وأصول‏:‏

 أبو حفص، ربيع بن صبيح السعدي، البصري

هو من أتباع التابعين، وأعيان المحدثين، كان صدوقا، عابدا، مجاهدا؛ أول من صنف في الإسلام‏.‏

روى عن‏:‏ الحسن البصري، وعطاء‏.‏

وعنه‏:‏ سفيان الثوري، ووكيع، وابن مهدي‏.‏

قال صاحب المغني‏:‏ مات بأرض السند، سنة ستين ومائة، ومن ثم ذكرته في علماء الهند، تيمنا بذكره، - والله الموفق ‏.‏

 مسعود بن سعد بن سلمان اللاهوري

أصله من همدان، خرج أبوه سعد ‏(‏3/ 216‏)‏ منها إلى الهند، وورد لاهور في دولة السلاطين الغزنوية، ولازم منهم السلطان‏:‏ إبراهيم، فأعطاه عدة من الأعمال، واستوطن لاهور، وتزوج بها، واستولد كثيرا، منهم‏:‏ مسعود المذكور، نشأ في كفالة والده، واحتظى من العلم والكمال بطريفه وتالده، إلى أن فوض إليه السلطان حكومة بعض الأمصار، وكان شاعرا مجيدا، محبا للشعراء، يعطيهم صلات عظيمة على أدنى شعر، وكان نديما لسيف الدين محمود بن السلطان إبراهيم‏.‏

توفي في سنة 515، محبوسا في قلعة نائ، وكان لبث في السجن عشرين سنة، حفظ هناك القرآن، ونظم الأشعار، وكان عارفا بالألسنة الثلاثة‏:‏ العربي، والفارسي، والهندي، صاحب ثلاثة دواوين فيها، وديوانه الفارسي متداول في بلاد الهند والإيران، ولم يصل أحد من شعراء العجم في الطريقة إليه، لا في حسن المعاني، ولا في لطف الألفاظ والمباني، صرح بذلك‏:‏ نظامي العروضي في رسالته‏:‏ ‏(‏جهار مقالة‏)‏، وله شعر حسن، منه ما أورده الرشيد الوطواط في‏:‏ ‏(‏حدائق السحر‏)‏‏:‏

ثق بالحسام فعهده ميمون ** واركب وقل للنصر كن فيكون

ومنه‏:‏ هذه القطعة في التورية‏:‏

وليل كأن الشمس ضلت ممرها ** وليس لها نحو المشارق مرجع

نظرت إليه والظلام كأنه ** على العين غربان من الجو وُقَّع

فقلت لقلبي‏:‏ طال ليلي وليس لي ** من الغم منجاة وفي الصبر مفزع

أرى ذنب السرحان في الجو طالعا ** فهل ممكن أن الغزالة تطلع

ذكره الأديب‏:‏ صابر، والنسائي الحكيم، وجمال الدين عبد الرزاق، في أشعارهم، وأثنوا عليه ثناء جميلا‏.‏

 حسن بن محمد بن حسن بن حيدر العدوي، العمري، الصغاني

الحنفي، رضي الدين؛ صاحب ‏(‏مشارق الأنوار‏)‏؛ أصله من صغان‏:‏ بلدة من بلاد ما وراء النهر‏.‏ ‏(‏3/ 217‏)‏

وولد بلاهور، في سنة 577، وهو من نسل‏:‏ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -‏.‏

كان محدثا، لغويا، فقيها‏.‏

أخذ العلم عن والده، ورحل إلى بغداد، وأقام بها مدة، له مشاركة في العلوم والتصانيف العديدة المفيدة فيها‏:‏

منها‏:‏ كتاب‏:‏ ‏(‏الشوارد في اللغات‏)‏، و ‏(‏كتاب الافتعال‏)‏، و ‏(‏كتاب العروض‏)‏، و كتاب ‏(‏مصباح الدجى‏)‏، و ‏(‏الشمس المنيرة‏)‏، و ‏(‏شرح البخاري‏)‏، و ‏(‏العباب‏)‏ معجم في اللغة‏.‏

توفي ببغداد، في سنة 650، أوصى بنقل ميته إلى مكة، فدفن بها، وكان قد أقام بمكة مجاورا مدة، ثم عاد إلى العراق، وأرسل برسالة إلى الهند‏.‏

وسمع الحديث بمكة، وعدن، والهند، من شيوخ كثيرة، وكان إماما، دينا، عالما، متقنا، وقد دعا لوقوع موته، وقبره بمكة المكرمة، في ‏(‏مبدأ مشارق الأنوار‏)‏ حيث قال‏:‏ أماته بها حميدا فأقبره، ثم إذا شاء أنشره؛ فسمع الله تعالى نداءه‏.‏

 شمس الدين، يحيى الأودي

وأود‏:‏ بلدة قديمة من الهند، يقال‏:‏ بناها شيث بن آدم - عليهما السلام -، وكانت دار الإمارة لبعض الرؤساء‏.‏

أخذ العلم عن‏:‏ ظهير الدين البكري، وفريد الدين الشافعي‏:‏ شيخ الإسلام بأود، وبايع الشيخ‏:‏ نظام الدين الدهلوي، البدايوني، وبدايون‏:‏ بلدة من توابع صوبة دِهْلي، وهي - بكسر الدال، وسكون الهاء -‏:‏ دار الخلافة لسلاطين الهند، ذكرها المجد في ‏(‏القاموس‏)‏‏:‏ كان عالما جليلا، وفاضلا نبيلا، مدحه تلميذه الشيخ‏:‏ نصير الدين، بقوله‏:‏

سألت العلم‏:‏ من أحياك حقا‏؟‏ ** فقال العلم‏:‏ شمس الدين يحيى

درس بدهلي، وانتهت إليه رياسة العلم بها، ومات بعد شيخه النظام - رحمه الله - بعدة سنين، وتوفي شيخه في سنة 725 الهجرية‏.‏

 الشيخ‏:‏ حميد الدين الدهلوي

كان عالما كبيرا، فقيها، دينا، له شرح على هداية الفقه، لم يقصر فيه، ذكره في ‏(‏كشف الظنون‏)‏، وأثنى عليه العلامة‏:‏ ابن كمال، توفي في سنة 764 الهجرية‏.‏ ‏(‏3/ 218‏)‏

القاضي‏:‏ عبد المقتدر بن القاضي‏:‏ ركن الدين، الشريحي، الكندي، الدهلوي

كان عالما مقتدرا على العلوم الكثيرة، بايع الشيخ‏:‏ نصير الدين الدهولي، وأخذ عنه الطريقة، وأقام دولة العلم، والتدريس، وأفاض على الطلبة والمشتغلين عليه أنوار التقديس، وكان طريقة شيخه وأكثر خلفائه‏:‏ المحافظة على سنن الشريعة، والاشتغال بدرس العلوم الدينية، وكان يقول‏:‏ الفكر في مسألة واحدة من الشريعة، أفضل من ألف ركعة مشوبة بالعجب والرياء‏.‏

توفي القاضي في سنة 791، وعمره‏:‏ ثمان وثمانون سنة، ودفن قريبا من الحوض ا لشمسي، الواقع في دهلي، وله قصيدة لامية طويلة، أولها‏:‏

يا سائق الظعن في الأسحار والأصل ** سلم على دار سلمى وابك ثم سَلِ

أورد أكثرها، وترك أقلها، أزاد في ‏(‏سبحة المرجان‏)‏، وغيره، وعليها شرح لبعض العلماء، وهي في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم‏.‏

 الشيخ‏:‏ معين الدين العمراني، الدهلوي

كان فاضلا، مشارا إليه بالأنامل، درس بدهلي، وأرسله السلطان‏:‏ محمد بن تغلق شاه - والي الهند - المتوفي سنة 752، إلى القاضي‏:‏ عضد الإيجي بشيراز، والتمس قدومه بالهند، فأمسكه السلطان‏:‏ أبو إسحاق، وأكرم الشيخ إكراما بليغا، وظهرت منه آثار الفضل والعلم على أهلها وعلمائها، له تصانيف، منها‏:‏ الحواشي على الكنز، وعلى الحسامي، وعلى مفتاح العلوم‏.‏

 الشيخ‏:‏ أحمد التانيسري

بلدة‏:‏ بين دهلي ولاهور، كان عالما، شاعرا، من مريدي الشيخ‏:‏ نصير الدين الدهلوي، ولما أخذ تيمور الأعرج دهلي، رغب في لقياه، واختاره للمجالسة، حين توجه من الهند إلى الروم، فتأخر عن موكبه، وتيمور فتح دهلي في سنة 801، وفتح الروم في سنة 805، فقال مؤرخ للفتح الأول‏:‏ ‏(‏فتح قريب‏)‏، وللثاني‏:‏ ‏(‏غلبت الروم في أدنى الأرض‏)‏، ثم هاجر الشيخ من دهلي إلى كالبي، واستوطنها، واشتغل بالدرس والتعليم، إلى أن توفي في داخل قلعتها، له شعر جيد حسن، وقصيدة بديعة، مدح بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، أولها‏:‏ ‏(‏3/ 219‏)‏

أطار لبي حنين الطائر الغرد ** وهاج لوعة قلبي التائه الكمد

وأذكرتني عهودا بالحمى سلفت ** حمامة صدحت من لاعج الكبد

وهي مذكورة في ‏(‏السبحة‏)‏، وغيرها‏.‏

 

القاضي‏:‏ شهاب الدين بن شمس الدين بن عمر الزاولي

ولد بدولة‏:‏ آباد دهلي، وتتلمذ على القاضي‏:‏ عبد المقتدر، ومولانا خواجكي الدهلوي، وهو من تلامذة مولانا‏:‏ معين الدين العمراني، وفاق أقرانه، وسبق إخوانه، وكان أستاذه القاضي يقول في حقه‏:‏ أتاني من الطلبة مَنْ جلده علم، ولحمه علم، وعظمه علم؛ ولما توجه موكب تيمور إلى الهند، خرج الشهاب في صحبة أستاذه خواجكي إلى كالبي، فأقام هو بها، وذهب الشهاب إلى جونفور‏:‏ بلدة من صوبة إله آباد، كانت دار الخلافة للسلاطين الشرقية، خرج منها جمع جم من أهل العلم والشيخوخة، فاغتنم السلطان إبراهيم الشرقي قدومه، ولقّبه‏:‏ ‏(‏بملك العلماء‏)‏، وهو‏:‏ درس هناك، وألف، وأفاد، وحرر، وأجاد‏.‏

ومن مؤلفاته‏:‏ ‏(‏البحر المواج‏)‏ بالفارسية، تفسير؛ والحواشي على كافية النحو، و ‏(‏الإرشاد‏)‏‏:‏ متن التزم فيه تمثيل المسألة في ضمن تعريفها، و ‏(‏بديع الميزان‏)‏ في البلاغة، وشرح البزدوي في أصول الفقه، وشرح قصيدة بانت سعاد، ورسالة في تقسيم العلوم ومناقب السادات، وغير ذلك‏.‏

توفي في سنة 849، ودفن بجونفور، في الجانب الجنوبي من مسجد السلطان إبراهيم الشرقي‏.‏

 

الشيخ‏:‏ علي بن أحمد المهائمي

من طائفة النوائت‏:‏ قوم في بلاد الدكن، ومهائم بندر‏:‏ من بنادركوكن، وهي ناحية من الدكن، مجاورة للبحر المحيط، وكان الشيخ من علمائها الصوفية، وكان مثبتا للتوحيد الوجودي، مقتفيا بالشيخ ابن ‏(‏3/ 220‏)‏ عربي، توفي سنة 835، ودفن بها‏.‏

له مصنفات تدل على غزارة علمه، وكمال قدرته على العلوم، منها‏:‏ ‏(‏التفسير الرحماني‏)‏؛ و ‏(‏الزوارف، شرح العوارف‏)‏؛ وشرح ‏(‏فصوص الحكم‏)‏؛ وشرح ‏(‏النصوص‏)‏ للشيخ صدر الدين القونوي؛ و ‏(‏أدلة التوحيد‏)‏؛ ورسالة عجيبة‏:‏ استخرج فيها من وجوه الإعراب في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏الم، ذلك الكتاب لا ريب فيه، هدى للمتقين‏)‏ ما يبلغ عدده إلى اثني عشر كرورا، وثلاثة وثمانين لكا، وأربعة وأربعين ألفا، وخمسمائة وأربعة وعشرين وجها، ويكتب ذلك بالهندسة هكذا‏:‏ 128344524، ذكر جملة صالحة من بيان ذلك في ‏(‏سبحة المرجان، في آثار هندوستان‏)‏، فليرجع إليه‏.‏

الشيخ‏:‏ سعد الدين الخير آبادي

بلدة‏:‏ من صوبة أود، كان أبو الشيخ قاضيا بهذه البلدة، فمات، وتركه صغيرا، فحفظ القرآن الكريم في صغره، ولما بلغ أشده تتلمذ على مولانا أعظم اللكنوي‏:‏ بلدة من بلاد بورب، ولبس الخرقة من الشيخ مينا، المتوفي في سنة 874، وجلس للتدريس والإرشاد، فأفاد وأجاد، وأوصل المريدين إلى المراد، وحرر شروحا غراء على الكتب المتداولة، مثل‏:‏ شرح البزدوي، وشرح الحسامي، وشرح الكافية، وشرح المصباح، وشرح رسالة شيخه مينا، وكلما ينقل فيها قولا من شيخه يقول‏:‏ ‏(‏قال شيخي الشيخ مينا - أدامه الله فينا -‏)‏، عاش حصورا على طريقة شيخه الأمجد، حتى لقي من لم يلد ولم يولد، ودفن بخير آباد، وقبره يزار‏.‏

 الشيخ‏:‏ عبد الله بن إله داد العثماني، التَّلنبي

- بفتح التاء -‏:‏ بلدة بقرب ملتان، كان رأسا في العلوم النقلية والعقلية، مدرسا في وطنه زمانا طويلا، ثم هاجر منه ‏(‏3/ 221‏)‏ إلى دهلي، وأوى إلى السلطان إسكندر اللودي، فاستوى فلكه على الجودي، فأكرمه السلطان، ونفع الله به أهل الزمان، إلى أن توجه في سنة 922 إلى جنة المأوى، وكان تاريخه‏:‏ أولئك لهم الدرجات العلى، وقبره بدهلي، ومن مؤلفاته‏:‏ شرح ميزان المنطق‏.‏

 الشيخ‏:‏ الهداد الجونفوري

ومعناه‏:‏ عطية الله، تتلمذ على الشيخ الفاضل‏:‏ عبد الله التلنبي، وبايع راجي حامد شاه المانكفوري‏:‏ بلدة من صوبة إله آباد، صرف عمره في الإفادة، وحرر الحواشي على المتون والشروح، كشرح هداية الفقه، في عدة مجلدات، وشرح البزدوي، والحواشي على الحواشي الهندية، والحاشية على تفسير المدارك‏.‏

 الشيخ‏:‏ علي المتقي بن حسام الدين عبد الملك بن قاضي خان القادري

الشاذلي، المدني، الجشتي أصله‏:‏ من جونفور، مولده‏:‏ برهانفور‏:‏ من بلاد الدكن‏.‏

تتلمذ على الشيخ‏:‏ حسان الدين الملتاني، وغيره من العلماء، ثم سافر في سنة 953، إلى الحرمين الشريفين، وصحب الشيخ‏:‏ أبا الحسن البكري، وتتلمذ عليه‏.‏

يقول البكري‏:‏ للسيوطي منه على العالمين، وللمتقي منه عليه، اشتغل بالتدريس والتأليف، ورتب ‏(‏جمع الجوامع‏)‏ للسيوطي على أبواب الفقه، تزيد مؤلفاته على المائة، وكان الشيخ‏:‏ ابن حجر المكي الفقيه الشافعي صاحب ‏(‏الصواعق المحرقة‏)‏ أستاذه، وفي الآخر تتلمذ عليه، ولبس الخرقة منه‏.‏

توفي - رحمه الله - في سنة 975‏.‏

ذكر له الشيخ‏:‏ عبد الحق الدهلوي ترجمة حافلة في المقصد الأول من كتابه‏:‏ ‏(‏زاد المتقين، في سلوك طريق اليقين‏)‏، وأثنى عليه كثيرا، وحرر أحواله الشريفة، في أبواب خمسة، ‏(‏3/ 222‏)‏ بإيضاح تام‏.‏

وللشيخ عبد الوهاب المتقي كتاب، سماه‏:‏ ‏(‏إتحاف التقي، في فضل الشيخ‏:‏ علي المتقي‏)‏، أبان فيه عن فضائله الكثيرة، وهو حقيق بذلك؛ وقد وقفت على تواليفه، فوجدتها نافعة، مفيدة، ممتعة، تامة‏.‏

 الشيخ‏:‏ محمد طاهر الفتني

صاحب‏:‏ ‏(‏مجمع البحار‏)‏ في غريب الحديث، وفتن‏:‏ بلدة من بلاد كجرات‏.‏

تتلمذ على علماء بلده، وصار رأسا في العلوم الحديثة والأدبية، ورحل إلى الحرمين الشريفين، وأدرك علماءهما ومشائخهما - سيما الشيخ‏:‏ علي المتقي - وذكره في مبدأ كتابه‏:‏ ‏(‏مجمع البحار‏)‏، وأثنى عليه ثناء حسنا جميلا، وعاد إلى بلده، وقصر همته على إفادة العلوم، وكانت طريقته الاشتغال بعمل المداد، وإعانة كتبة العلوم بهذا الإمداد، حتى في حالة الدرس أيضا يشتغل بحله‏.‏

له‏:‏ ‏(‏المغني في أسماء الرجال‏)‏، و ‏(‏تذكرة الموضوعات‏)‏‏.‏

وعزم على كسر البواهير المهدوية الذين كانوا قومه، وعهد أن لا يربط العمامة على رأسه، حتى يزيل تلك البدعة، فلما استولى السلطان‏:‏ أكبر - والي دهلي - في سنة 980 على كجرات، واجتمع بالشيخ، ربط العمامة بيده على رأس الشيخ، وقال‏:‏ على ذمة معدلتي نصرة الدين، وكسر الفرقة المبتدعين، وفق إرادتك، وكان قد فوض حكومة كجرات إلى أخيه الرضاعي‏:‏ ميرزا عزيز كوكه، الملقب‏:‏ بالخان الأعظم، فأعان الشيخ، وأزال رسوم البدعة مهما أمكن، ثم عزل الخان الأعظم، ونصب مكانه عبد الرحيم خان خانان، وكان شيعيا، فاعتضد به المهدوية، وخرجوا من الزوايا، ورموا السهام على الخبايا، فحل الشيخ العمامة عن رأسه، وانطلق إلى أكبر بادشاه، وكان في مستقر الخلافة آكره، فتبعه جمع من المهدوية سرا، وهجموا عليه في حوالي أُجّين، وقتلوه سنة 986، فاستشهد، ونقل جسده إلى فتن، ودفن في مقابر أسلافه، وكان صِدِّيقيَّ النسب من ‏(‏3/ 223‏)‏ جهة أمه، وأصله من البواهير، وأسلافهم جديدو الإسلام‏.‏

وبيوهار‏:‏ في الهندية‏:‏ التجارة، وبوهره‏:‏ التاجر‏.‏

وقد ذكر الشيخ‏:‏ عبد الحق الدهلوي ترجمته في ‏(‏أخبار الأخيار‏)‏، وذكرتها أنا في ‏(‏إتحاف النبلاء‏)‏، وأيضا أفردت ترجمتها في رسالة مستقلة، ألحقتها في أوائل ‏(‏مجمع البحار‏)‏‏.‏

قال الشيخ عبد الوهاب المتقي‏:‏ رأيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الرؤيا، فقلت‏:‏ من أفضل الناس في هذا الزمان يا رسول الله‏؟‏ فقال‏:‏ شيخك، ثم محمد طاهر، - ويا لها من رؤيا تفضل على اليقظة -‏.‏

وكتابه‏:‏ ‏(‏مجمع البحار‏)‏ قد طبع بالهند لهذا العهد، واشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار، وهو كتاب جمع فيه كل غريب الحديث، وما أُلِّف فيه، فجاء كالشرح للصحاح الستة، فإن لم يكن عند أحد شرح لكتاب من الأمهات الست، فهذا الكتاب يكفيه لحل المعاني، وكشف المباني، وهو كتاب متفق على قبوله، متداول بين أهل العلم، منذ ظهر في الوجود - وبالله التوفيق -‏.‏

 الشيخ‏:‏ وجيه الدين العلوي، الكجراتي

كان وجيها في الدنيا والآخرة، وعالما، عارفا، ذا المناقب الفاخرة‏.‏

ولد في سنة 911، في جابانير، من بلاد كجرات، ونشأ بها، وارتحل في طلب ‏(‏3/ 224‏)‏ العلم، وأخذ من ملا عماد الطارمي، من أعيان علماء العصر، ولبس الخرقة من الشيخ‏:‏ قاضن، واستفاد من الشيخ‏:‏ محمد غوث الكواليري، صاحب‏:‏ ‏(‏الجواهر الخمسة‏)‏ حين ورد بكجرات‏.‏ وتوفي في سنة 998، ودفن بها‏.‏

وتاريخ وفاته‏:‏ لهم جنات الفردوس نزلا‏.‏

وله المصنفات الكثيرة منها‏:‏ حاشية تفسير البيضاوي، وشرح النخبة في أصول الحديث، وحاشية العضدي، وحاشية التلويح، وحاشية البزدوي، وحاشية هداية، وحاشية شرح الوقاية، وحاشية المطول، وحاشية المختصر، وحاشية شرح التجريد، وحاشية الأصفهاني، وحاشية شرح العقائد للتفتازاني، وحاشية الحاشية القديمة للمحقق الدواني، وحاشية شرح المواقف، وحاشية شرح حكمة العين، وحاشية شرح المقاصد، وحاشية شرح الجغميني، وحاشية شرح الحامي، وشرح الإرشاد للشهاب في النحو‏.‏‏.‏‏.‏ إلى غير ذلك مما لا يحصى‏.‏

 الشيخ‏:‏ أبو الفيض، المتخلص‏:‏ بفيضي الأكبر آبادي

كان فاضلا جيدا، وشاعرا مجيدا، مفلقا

بارعا، في العلوم العقلية والأدبية‏.‏

ولد بآكرة، في سنة 954، وتتلمذ على أبيه الشيخ‏:‏ مبارك، صاحب التفسير، المسمى‏:‏ ‏(‏بمنبع عيون المعاني‏)‏ المتوفى سنة 1001 إحدى وألف‏.‏

أخذ عنه الفنون المتداولة، وحصل الفراغ منها، وهو ابن أربع عشرة سنة، وخاض كثيرا بالحكمة والعربية، واختص بمزيد قربة السلطان أكبر ملك الهند، ولقب‏:‏ بملك الشعراء، وله قصائد في مدحه، وأبيات ديوانه الفارسي‏:‏ خمسة عشر ألف بيت شعر، وله تصانيف تدل على اقتداره في اللسان العربي، منها‏:‏ ‏(‏موارد الكلم‏)‏ ‏(‏3/ 225‏)‏ في الأخلاق، وترجمة ليلاوتي، وأجل مصنفاته‏:‏ ‏(‏سواطع الإلهام‏)‏ في تفسير القرآن الكريم الغير المنقوط، صنفه في سنتين، وأتمه في سنة 1002، يدل على إطالة يده في علم اللغة؛ وأنا وقفت عليه، وذكره في كشف الظنون، وكان فيضي على طريقة الحكماء، وكذا إخوانه أبو الفضل وغيره، وكانوا معروفين بانحلال العقائد، وسوء التدني، والإلحاد، والزندقة، - نعوذ بالله منها -‏.‏

توفي في سنة 1004، ودفن عند قبر أبيه، بآكرة‏.‏

 السيد‏:‏ صبغة الله البروجي

وهي‏:‏ بلدة من كجرات‏.‏

أخذ العلوم عن الشيخ‏:‏ وجيه الدين الكجراتي، واشتغل بالتدريس والإرشاد برهة، ثم رحل إلى مكة والمدينة وغيرهما، وعاد إلى بروج، ثم ارتحل إلى مالوه، وأقام في أحمد نكر‏:‏ من بلاد الدكن عند سلطانها‏:‏ برهان الملك، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين، ودخل بيجابو، فخدمه السلطان إبراهيم، وهيأ له أسباب السفر، فدخل المدينة، وسكن بجبل أحد، وعرَّب الجواهر الخمسة، وحرر عليه تلميذه الشيخ‏:‏ أحمد الشناوي حاشية، وذكر له الشيخ‏:‏ محمد عقبلة المكي ترجمة حسنة في كتابه‏:‏ ‏(‏لسان الزمان‏)‏، وله‏:‏ ‏(‏كتاب الوحدة‏)‏، ورسالة‏:‏ ‏(‏إراءة الدقائق، في شرح مرآة الحقائق‏)‏ و ‏(‏ما لا يسع المريد تركه كل يوم من سنن القوم‏)‏‏.‏

توفي بالمدينة، سنة 1015 الهجرية، وقبره بها‏.‏

 الشيخ‏:‏ أحمد بن عبد الأحد بن زين العابدين الفاروقي، السهرندي

- بلدة عظيمة بين دهلي ولاهور -، وهو المعروف‏:‏ بمجدد الألف الثاني‏.‏

كان عالما عاملا، عارفا كاملا، ينتهي نسبه إلى الفاروق‏.‏

ولد في سنة 971، حفظ القرآن، وقرأ على أبيه أولا، واستفاد منه جما من العلوم، ثم ارتحل إلى سالكوت، وتتلمذ على المحقق‏:‏ كمال الدين الكشميري ‏(‏3/ 226‏)‏ بعض المعقولات بغاية من التحقيق، وأخذ الحديث عن‏:‏ الشيخ يعقوب، المحدث الكشميري، وكان صاحب كبراء المحدثين بالحرمين الشريفين، وأسند الحديث عنهم، وتناقل الحديث المسلسل بالرحمة بواسطة واحدة، عن الشيخ‏:‏ عبد الرحمن بن فهد - من كبراء المحدثين في زمانه بالهند -، وتعاطى عنه إجازة كتب التفسير، والصحاح الست، وسائر مقروءاته‏.‏

وروى الحديث المسلسل بالأولية عن القاضي‏:‏ بهلول البدخشاني، عن ابن فهد المذكور، ولعله هو الواسطة في الإجازة بينهما، وفرغ من التحصيل في عمر سبعة عشرة سنة، واشتغل بالتدريس‏.‏

وله‏:‏ رسائل لطيفة باللسان العربي، والفارسي‏.‏

وجاء إلى دهلي في سنة 1002، وأخذ الطريقة النقشندية عن خواجة عبد الباقي، عن خواجه إمكنكي، عن أبيه مولانا‏:‏ درويش محمد، عن خاله مولانا‏:‏ محمد زاهد، عن خواجه‏:‏ عبيد الله أحرار، وكذا الطرائق الأخرى عن شيوخ أخر، ووصلت سلسلته من الهند إلى ما وراء النهر، والروم، والشام، والعرب، وأقصى المغرب، مثل‏:‏ فاس وغيرها‏.‏

وله مكتوبات، في ثلاثة مجلدات، هي حجج قواطع على تبحره، وسمعت أنه عربها بعض العلماء، ولكن لم أر المعرَّبة، وحبسه السلطان‏:‏ جهانكير في حصن كواليا، على عدم سجدة التعظيم منه له، و إليه أشار آزاد في غزله‏:‏

لقد برع الأقران في الهند ساجع ** وجدد فن العشق يا للمغرد‏!‏

فلا عجب أن صاده متقنص ** ألم تر في الأسلاف قيد المجدد‏؟‏

ولما حبس لبث في السجن ثلاث سنين، ثم أطلق، وأقام في العسكر يدور معه، ثم عاد إلى سهرند - والعود أحمد -، ثم توفي في سنة 1034، وله ثلاث وستون سنة، دفن بسهرند‏.‏

ومن مؤلفاته‏:‏ ‏(‏الرسالة التهليلية‏)‏، ورسالة‏:‏ ‏(‏إثبات النبوة‏)‏، ورسالة‏:‏ ‏(‏المبدأ ‏(‏3/ 227‏)‏ والمعاد‏)‏، ورسالة‏:‏ ‏(‏المكاشفات الغيبية‏)‏، ورسالة‏:‏ ‏(‏آداب المريدين‏)‏، ورسالة‏:‏ ‏(‏المعارف اللدنية‏)‏، ورسالة‏:‏ ‏(‏رد الشيعة‏)‏، و ‏(‏تعليقات العوارف‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلى غير ذلك‏.‏

ومن إفاداته أنه أوضح الفرق بين وحدة الوجود، وبين وحدة الشهود، وبيَّن أن وحدة الوجود تعتري السالك في أثناء سلوكه، فمن ترقى مقاما أعلى من ذلك تتجلى له حقيقة وحدة الشهود، فسد بذلك طريق الإلحاد على كثير ممن كان يتستر بزي الصوفية، ثم إنه باحث الملاحدة في زمانه، وجادلهم بقلمه ولسانه، ورد على الروافض، وحقق الفرق بين البدعة والسنة؛ وأقيسة المجتهدين، واستحسانات المتأخرين؛ والتعارف عن القرون المشهود لها بالخير، وما أحدثه الناس في القرون المتأخرة وتعارفوه فيما بينهم؛ فردّ بذلك مسائل مما استحسنها المتأخرون من فقهاء مذهبه، وكان فقيها ماتريديا، حريصا على اتباع السنة، مجتهدا فيه، قليل الخطأ في دركه، والمسائل المعدودة التي شدد بعض أهل العلم النكير بها عليه، فالصواب أن لها تأويلا، وقد شاركه فيها غيره، ممن لا يحصى كثرة، فليس إذا يخصه الإنكار‏.‏

ومن أبنائه‏:‏ الشيخ محمد سعيد، الملقب‏:‏ بخازن الرحمة، له حاشية على ‏(‏المشكاة‏)‏، توفي في سنة 1020، والشيخ‏:‏ محمد معصوم، يلقب‏:‏ بالعروة الوثقى، له مجموع من مكاتيبه مفيد، توفي في سنة 1077‏.‏

وكان لهما أخ ثالث‏:‏ يقال له‏:‏ الشاه محمد يحيى، أخذ عن أخويه، وهو الذي خالفهم في مسألة الإشارة بالسبابة، توفي في سنة 1098‏.‏

ومن أجلة أصحابه المتأخرين‏:‏ الشيخ شمس الدين العلوي، من ذرية محمد ابن الحنفية، المعروف‏:‏ بميرزا مظهر جانجان، كان ذا فضائل كثيرة، وقرأ الحديث على الحاج السيالكوني، وأخذ الطريقة المجددية عن أكابر أهلها، كان له في اتباع السنة، والقوة الكشفية شأن عظيم‏.‏

وله شعر بديع، ومكاتيب نافعة، وكان يرى الإشارة بالمسبحة، ويضع يمينه على ‏(‏3/ 228‏)‏ شماله تحت صدره، ويقوي قراءة الفاتحة خلف الإمام‏.‏

عام وفاته‏:‏ عاش حميدا، مات شهيدا‏.‏

ومن أجلة أصحاب جانجان‏:‏ القاضي ثناء الله الأموي العثماني، من أهل بلدة ‏(‏باني بت‏)‏‏:‏ بقرب دهلي، كان فقيها، أصوليا، زاهدا، مجتهدا؛ له اختيارات في المذهب، ومصنفات في الفقه، والتفسير؛ وكان شيخه المظهر يفتخر به، رأيت له مؤلفات على مذهب النعمان، بالفارسية والعربية، وبعضها موجود عندي - رحمه الله تعالى -‏.‏

 الملا‏:‏ عصمة الله السهارنفوري

- قصبة من‏:‏ صوبة دهلي -، كان مكفوف البصر، مكشوف البصيرة، أفنى عمره في خدمة العلم والتدريس، وهو من مشاهير العلماء‏.‏

وله تصانيف مفيدة، منها‏:‏ ‏(‏الحاشية على شرح الجامي‏)‏‏.‏

توفي في سنة 1039 هـ‏.‏

 

الشيخ‏:‏ عبد الحق الدهلوي

وهو المتضلع من الكمال الصوري والمعنوي، رزق من الشهرة قسطا جزيلا، وأثبت المؤرخون ذكره إجمالا وتفصيلا، وحفظ القرآن، وجلس على مسد الإفادة، وهو ابن اثنتين وعشرين سنة، ورحل إلى الحرمين الشريفين، وصحب الشيخ‏:‏ عبد الوهاب المتقي، خليفة الشيخ‏:‏ علي المتقي، واكتسب علم الحديث، وعاد إلى الوطن، واستقر به اثنتين وخمسين سنة، بجمعية الظاهر والباطن، ونشر العلوم، وترجم كتاب المشكاة بالفارسي، وكتب شرحا على سفر السعادة، وبلغت تصانيفه مائة مجلد‏.‏

ولد في محرم سنة 958، وتوفي سنة 1052، وأخذ الخرقة القادرية من الشيخ موسى القادري، من نسل الشيخ عبد القادر الجيلاني، وكان ذا عصبية في المذاهب الحنفية، وانتقد كلامه في مواضع من مؤلفاته، وكان ينال من الشيخ أحمد السهرندي، ثم تاب واستغفر، ولما وردت بدهلي حضرت على مزاره وزرته، ‏(‏3/ 229‏)‏ فوجدت موضع القبر مؤنسا بردا - عفا الله عنه -، ما كان منه من شدة التقليد، وتأويل الأحاديث بمجرد رأي، وحفظ للمذهب، وغلو في اعتقاد الأولياء، ولم يكن يعرف علم الحديث على وجهه، بل على جهة الإجازة والاستجارة، كما يلوح ذلك من مصنفاته، وإنما كان له اليد الطولى في الفقه الحنفي الذي عليه نشأ، وفيه درج، - ولكل جواد كبوة، وعفو الله يسع كل هفوة‏.‏

 

الشيخ‏:‏ نور الحق بن الشيخ‏:‏ عبد الحق الدهلوي

- المذكور -، تتلمذ على أبيه، وولاه السلطان شاهجهان قضاء آكره، فأدى هذا المنصب في نهاية الديانة والسداد، له تصانيف كثيرة، منها‏:‏ ترجمة الصحيح للبخاري، بالفارسية‏.‏

عاش تسعين سنة، ومات سنة 1073 الهجرية‏.‏

 

ملا‏:‏ محمود الفارقي، الجونفوري

صاحب كتاب‏:‏ ‏(‏شمس البازغة في الحكمة‏)‏، وكان علامة الإشراقين، ونقاوة المشائين‏.‏

وجونفور‏:‏ من بورب، وهو مُلْك وسيع في الشرقي من دهلي، عبارة عن ثلاث صُوَبٍ أَود‏:‏ إله آباد، وعظيم آباد؛ تتلمذ ملا على جده الشيخ‏:‏ شاه محمد المتوفي سنة 1032؛ وعلى أستاذ الملك، الشيخ‏:‏ محمد أفضل الجو نفوري؛ وفرغ عن تحصيل العلوم، وهو ابن سبع عشرة سنة‏.‏

له تصانيف شهيرة، منها‏:‏ ‏(‏الفرائد شرح الفوائد‏)‏، وعلق عليه حاشية أحسن فيها كل الإحسان؛ رُوي أنه لم يصدر عنه في تمام العمر قول يرجع عنه؛ وكان ‏(‏3/ 230‏)‏ يجيب السائل إن كان خاطره حاضرا، أو يقول‏:‏ خاطري في هذا الوقت غير حاضر‏.‏

قال مؤلف ‏(‏الصبح الصادق‏)‏ - وهو من تلامذته -‏:‏ رحل الشيخ إلى آكره، ولقي آصف خان من أعاظم أمراء السلطان شاهجهان، وكنت معه في هذا السفر، ثم عاد إلى جونفور، واشتغل بالتدريس‏.‏ انتهى‏.‏

له‏:‏ رسالة في أربعة أوراق، بالفارسية، في أقسام النسوان، خالية عن الأمثلة، لأن الفرس مغازلتهم بالأمارد، لا بالخرائد‏.‏

توفي في سنة 1062، فحزن عليه أستاذه حزنا عظيما، ولم يتبسم أربعين يوما، ثم لحق بالتلميذ

قال السيد آزاد‏:‏ ولا ريب أنه لم يظهر في الهند مثل الفاروقِيَّيْن، أحدهما‏:‏ في علم الحقائق، وهو الشيخ‏:‏ أحمد السهرندي، والثاني‏:‏ في العلوم الحكمية والأدبية، وهو‏:‏ ملا محمود - صاحب الترجمة -‏.‏ انتهى‏.‏

ثم ذكر كلامه على مسألة الحدوث الدهري، التي اخترعها‏:‏ مير محمد باقر الاسترآبادي من ‏(‏الشمس البازغة‏)‏‏.‏

 

الشيخ‏:‏ محمد أفضل الجونفوري

كان أفضل فضلاء عصره، وأمثل علماء دهره، في العقليات والنقليات، وكان حصورا، تقيا، حسن الخلق، سليم المزاج، مقيما لدولة العلم والتدريس، هو وتلامذته بجو نفور، أجلُّهم وأشرفهم‏:‏ ملا محمود - المذكور -، مات من حزن موت تلميذه المسطور في سنة 1062 - كما تقدم ‏.‏

 

ملا‏:‏ عبد الحكيم السيالكوئي، الفنجابي

نسبة إلى‏:‏ بنجاب‏:‏ معرَّب ببجاب، وهو ملك وسيع في الغربي من دهلي، عبارة عن صوبتين‏:‏ لاهور، وملتان‏.‏

ولد بسيالكوت‏:‏ بلدة من توابع لاهور، وقام في سن التمييز على طلب العلم، وتتلمذ على ملا‏:‏ كمال الدين الكشميري نزيلها، الذي كان أستاذ المجدد السهرندي، واشتغل بإفادة العلوم في عهد السلطان جهانكير، ولما جلس ابنه شاهجهان على سرير المملكة، وتصدى لترويج العلم والعلماء، جاء ملا إلى سدته ‏(‏3/ 231‏)‏ مرارا، ووزنه السلطان مرتين في الميزان، وأعطاه في كل مرة ستة آلاف من الربابي، وأنعم عليه قرى متعددة، بها كان يعيش، ويدرس، ويصنف، حتى توفي في سنة 1097، ودفن ببلده‏.‏

له‏:‏ ‏(‏حواشي تفسير البيضاوي‏)‏، و ‏(‏مقدمات التلويح‏)‏، و ‏(‏المطول‏)‏، و ‏(‏الشريفية‏)‏، و ‏(‏شرح العقائد التفتازانية‏)‏، و ‏(‏العقائد الدوانية‏)‏، و ‏(‏حاشية على الخيالي‏)‏، و ‏(‏على شرح الشمسية‏)‏، و ‏(‏على عبد الغفور‏)‏، و ‏(‏على شرح المطالع‏)‏، و ‏(‏الدرة الثمينة، في إثبات الواجب تعالى‏)‏، و ‏(‏الحواشي، على هوامش ‏"‏شرح حكمة العين ‏"‏‏)‏، و ‏(‏على ‏"‏شرح هداية الحكمة للميبذي ‏"‏‏)‏، و ‏(‏على هوامش مراح الأرواح‏)‏‏.‏

 

الشيخ‏:‏ عبد الرشيد الجونفوري

الملقب‏:‏ بشمس الحق

تتلمذ على الشيخ‏:‏ فضل الله، اشتغل بالتدريس، ثم أقبل على كتب الحقائق - سيما تصانيف ابن عربي -، وأوّل كلامه على محامل حسنة، ونأى بجانبه عن اختلاط الأمراء والأغنياء، واستطلبه السلطان شاهجهان، وأرسل إليه كتابا صحبة رسول مهذب فلبى، ولم يخرج من زاوية العزلة حتى لقي الله - عز وجل - في تحريمة صلاة الفجر‏.‏

ولد سنة 1083؛ له تصانيف مفيدة‏:‏

منها‏:‏ ‏(‏الرشيدية في المناظرة‏)‏، و ‏(‏زاد السالكين‏)‏، و ‏(‏شرح أسرار الخلوة، لابن عربي‏)‏، و الحواشي المتفرقة على‏:‏ مختصر العضدي، و على الكافية؛ و ‏(‏مقصود الطالبين في الأوراد‏)‏، و ‏(‏ديوان الشعر‏)‏، بالفارسية - عفا الله عنه ‏.‏

 

مير‏:‏ زاهد بن القاضي‏:‏ محمد أسلم الهروي، الكابلي

ولد بالهند، ونشأ بها، وقرأ على أبيه وغيره من علماء الهند، وكان ذا ذهن ثاقب، وفكر صائب، فسبق في التدقيق السابقين، وتفرد في الحاضرين، وانسلك إلى السلطان شاهجهان، فجعله محرر وقائع كابل، في سنة 1062، ولما تولى السلطان عالمكير، ارتحل إلى معسكره، فولاه احتساب عسكره، سنة 1077، ثم طلب منه صدارة كابل، فسلمها له، فعاد ‏(‏3/ 232‏)‏ إلى كابل، وزيَّن بها دست الإفادة، ومتَّع الطلبة بالحسنى وزيادة‏.‏

له‏:‏ ‏(‏حاشية شرح المواقف‏)‏، و ‏(‏شرح التهذيب، للدواني‏)‏، و ‏(‏حاشية التصور والتصديق، للقطب الرازي‏)‏، و ‏(‏حاشية شرح الهياكل‏)‏‏.‏

قال آزاد‏:‏ سألت أسلم خان - ابن الابن لمير محمد زاهد - عن عام وفاته‏؟‏ فقال‏:‏ سنة 1100، ثم ذكر شيئا من تحقيقه في العلم، وأنه من أي مقولة‏.‏

 

القاضي‏:‏ محمد أسلم، والد‏:‏ مير زاهد

ولد بهرات، وهو من أحفاد‏:‏ خواجه كوهي، من مشائخ خراسان، دخل القاضي لاهور لطلب العلم، وتتلمذ على الشيخ بهلول، من صناديد العلماء بها، ثم قصد السلطان جهانكير بآكره، واعتنى السلطان بشأنه، لكونه من قربى مولانا‏:‏ كلان المحدث - أستاذ السلطان -، وولاه قضاء كابل، واشتهر بالتدين في أمور القضاء، ثم ولاه قضاء عسكره، ولما جلس شاهجهان قرره على القضاء، وزاد عليه المنصب الهزاري، واستمر على القضاء ثلاثين سنة في نهاية الديانة والأمانة، وكان موردا للعنايات السلطانية إلى الغاية، حتى وزنه السلطان في الميزان، وجاء في كفته‏:‏ ستة آلاف وخمسمائة من الربابي‏.‏

توفي سنة 1061 الهجرية، ودفن بلاهور‏.‏

 

مولانا‏:‏ كلان، هو‏:‏ السبط لخواجه كوهي

أخذ العلوم الدرسية بكمالها، والحديث‏:‏ عن ميرك شاه الشيرازي، وصحب مشائخ كثيرة، وحج، ودخل الهند، وتوفي بها، سنة 983، وهو ابن مائة سنة، ودفن بآكره، وكان أستاذ جهانكير بن أكبر شاه، وأخذ عنه الحديث جماعة كثيرة من أهل الهند، وهو من شيوخ‏:‏ علي القاري‏.‏

قال في ‏(‏المرقاة، شرح المشكاة‏)‏‏:‏ إني قرأت بعض أحاديث المشكاة على مولانا الشهير‏:‏ بمير كلان، وهو قرأ على زبدة المحققين‏:‏ ميرك شاه، وهو على والده السيد السند‏:‏ جمال الدين المحدث - صاحب ‏(‏روضة الأحباب‏)‏ -، وهو على عمه السيد‏:‏ أصيل ‏(‏3/ 233‏)‏ الدين الشيرازي‏.‏ انتهى‏.‏

 

ملا‏:‏ قطب الدين الشهيد، السهالوي

- نسبة إلى قصبة سهالي‏:‏ من أعمال لكهنؤ -، وشيوخها فريقان‏:‏

فرق أنصاري‏.‏

وفريق عثماني، ورياستها تتعلق بكليهما، فمُلاّ‏:‏ من الأنصار، أخذ العلوم عن مُلاّ‏:‏ دانيال الجوراسي - نسبة إلى جوراس‏:‏ قصبة من بورب -؛ وهو تلميذ مُلاّ‏:‏ عبد السلام الديوي - نسبة إلى ديوه‏:‏ قصبة من بورب أيضا -؛ وعن القاضي‏:‏ كاشي، وهو تلميذ محب الله الإله آبادي - صاحب ‏(‏رسالة التسوية في التصوف‏)‏، و شارح ‏(‏الفصوص‏)‏ بالفارسية -، وكان الشيخ قطب الدين مقداما في العقليات والنقليات، وإليه انتهى رياسة العلم والتدريس في بورب، وسلسلة تَتَلْمُذِ أكثر علماء بورب وغيره تنتهي إليه؛ هجم العثمانية ليلة على داره، فقتلوه، وأحرقوا داره، فمات سنة 1103؛ له‏:‏ ‏(‏حاشية على شرح العقائد الدوانية‏)‏، في غاية الدقة‏.‏

 

السيد‏:‏ قطب الدين الشمس آبادي

أصله من سادات أميئهي - قصبة من قصبات بورب -، رحل عنها إلى الشمس آباد - قصبة من توابع قنوج -، وتوطن بها، وهو قطب العلماء، والمدار عليه للفضلاء‏.‏

تتلمذ على ملا‏:‏ قطب الدين - المذكور -، وغيره من أساتذة العصر، ودرس إلى آخر العمر بشمس آباد‏.‏

تتلمذ عليه خلق كثير، وكان من القانعين، تمر الأيام ولا توقد في بيته نار، ويقاسي الفاقات، ولا يظهر الحاجات، ويدرس طلق الوجه واللسان، والحالة هذه، وهذا مقام لا يثبت فيه إلا من رزق القوة من الله تعالى‏.‏

مات - رحمه الله - سنة 1121 الهجرية، وهو ابن سبعين سنة‏.‏

 

القاضي‏:‏ محب الله البِهاري

- نسبة إلى بهار‏:‏ بكسر الموحدة، بلدة عظيمة في شرقي بورب، تعرف في القديم بالصوبة، ثم أطلق ذلك على‏:‏ بئنة، والبلدتان ‏(‏3/ 234‏)‏ متصلتان -‏.‏

ولد القاضي بموضع كره - من توابع محب، على فور - وهي معمورة من مضافات بهار؛ وعشيرة القاضي تعرف بملك؛ والقاضي جاب ديار بورب، وأخذ أوائل الكتب الدرسية من مواضع شتى، ثم انقطع برمته إلى حوزة درس القطب الشمس آبادي، فصار بحرا من العلوم، وبدرا بين النجوم، ورحل إلى الدكن، ولازم السلطان عالمكير، فولاه قضاء لكهنؤ، ثم بعد مدة، قضاءَ حيدر آباد - وهي دار الإمارة للديار الشرقية من دكن -، ثم عزله، ثم أمره بتعليم ابن ابنه‏:‏ رفيع القدر بن محمد معظم، ثم لما فوض عالمكير في آخر عمره حكومة كابل إلى ابنه‏:‏ محمد معظم، الملقب‏:‏ بشاه عالم، وسافر هو مع ابنه‏:‏ رفيع القدر من الدكن إلى كابل، صحبه القاضي، ولما توفي عالمكير، في الدكن، سنة 1118، وانتهض شاه عالم من كابل إلى الديار الهندية، أعطى القاضي منصبا جليلا وولاه صدارة ممالك الهند كلها، ولقبه‏:‏ بفاضل خان، سنة 1119، فتوفي في هذه السنة‏.‏

ومن مؤلفاته‏:‏ ‏(‏سلم العلوم‏)‏ في المنطق، و ‏(‏مسلم الثبوت‏)‏ في أصول الفقه، و ‏(‏الجوهر الفرد‏)‏ في مسألة الجزء الذي لا يتجزأ، وهذه الثلاثة‏:‏ مقبولة متداولة في مدارس العلماء‏.‏

الحافظ‏:‏ أمان الله بن نور الله بن حسين البنارسي

- بلدة من بلاد بورب، وهي معبد الهنود -، حفظ القرآن، وبرع في المعقول والمنقول، وتبحر في الفروع والأصول‏.‏

له‏:‏ ‏(‏كتاب المفسر‏)‏ في أصول الفقه، وكتب عليه شرحا، سماه‏:‏ ‏(‏محكم الأصول‏)‏، وله ‏(‏حواش على تفسير البيضاوي، والعضدي‏)‏، و ‏(‏التلويح‏)‏، و ‏(‏الحاشية القديمة‏)‏، و ‏(‏شرح المواقف‏)‏، و ‏(‏حكمة العين‏)‏، و ‏(‏شرح عقائد الدواني‏)‏، و ‏(‏الرشيدية‏)‏ في المناظرة‏.‏

وله‏:‏ ‏(‏محاكمة بين مير باقر الإسترآبادي، وملا محمود الجونفوري‏)‏ في مسألة ‏(‏3/ 235‏)‏ الحدوث الدهري، وكان متقلدا بصدارة لكهنؤ من قِبل السلطان عالمكير، وكان محب الله البهاري قاضيا بها، وكانا يجتمعان، وتجري بينهما مباحث علمية‏.‏

توفي في بنارس، سنة 1133، ودفن بها‏.‏

 

الشيخ‏:‏ غلام نقشبند بن الشيخ‏:‏ عطاء الله اللكهنوي

تتلمذ على مير‏:‏ محمد شفيع الدهلوي، وهو على الشيخ‏:‏ عطاء الله، والد الشيخ‏:‏ غلام نقشبند، وفرغ من التحصيل على شيخ شيخه بير‏:‏ محمد اللكهنوي، وصار خليفة له، ونفع خلقا كثيرا بالتدريس والتلقين، ولاقاه شاه‏:‏ عالم بن عالمكير فأكرمه، وكان حاميا لحمى الشريعة الغراء، وحارسا لبيضة الملة البيضاء‏.‏

توفي في سلخ رجب، سنة 1126، ودفن بلكهنؤ‏.‏

له‏:‏ ‏(‏تفسير لربع القرآن‏)‏، وحواشيه، و ‏(‏تفسير بعض السور القرآنية‏)‏، وكتاب‏:‏ ‏(‏فرقان الأنوار‏)‏، و ‏(‏اللامعة العرشية‏)‏ في مسألة وحدة الوجود، و ‏(‏شرح القصيدة الخزرجية‏)‏ في العروض، وغيرها، وهو أستاذ السيد‏:‏ عبد الجليل البلكرامي، جد مير‏:‏ آزاد من جهة الأم - والله أعلم -‏.‏

 

الشيخ‏:‏ أحمد، المعروف‏:‏ بمُلاّ جِيْوَنْ الصديقي، الأميبهوي

وجيون‏:‏ بالهندية‏:‏ الحياة؛ حفظ القرآن، وتنقل في قصبات بورب، وأخذ العلوم الدرسية من علمائها، وفرغ من التحصيل عند ملا‏:‏ لطف الله الكُوروي - وكُوره‏:‏ بضم الكاف‏:‏ بلدة من نواحي بورب؛ ثم رحل إلى السلطان عالمكير فأكرمه، وراعى أدبه إلى الغاية، وكذلك يحترمه شاه‏:‏ عالم، وغيره من أولاد السلطان، وكان ذا حافظة قوية، يقرأ عبارات الكتب الدرسية صفحة صفحة، وورقة ورقة، من غير أن ينظر في الكتاب، وكان يحفظ قصيدة طويلة بسماع دفعة واحدة، حج، وعاد إلى الهند، ودرس، وألف‏.‏

وتوفي بدار السلطنة‏:‏ دهلي، سنة 1130، ونقل جسده إلى أميهي، ودفن بها‏.‏

له‏:‏ ‏(‏التفسير الأحمدي‏)‏ يختص بآيات الأحكام الفقيهة؛ و ‏(‏نور الأنوار في شرح المنار‏)‏ في أصول الفقه، على طريقة الحنفية، وفيهما الرطب واليابس‏.‏ ‏(‏3/ 236‏)‏

 

السيد‏:‏ عبد الجليل بن السيد‏:‏ أحمد الحسيني، الواسطي، البلكرامي

ولد ببلكرام - قصبة عظيمة بقرب قنوج، وهي بلدة مشهورة، مذكورة في القاموس -، يرجع نسبه إلى علي العراقي، من نسل زيد الشهيد‏.‏

كان علامة بارعا، وكوكبا ساطعا، مزج العلم بالطهارة، وصاغ الزهد في الإمارة‏.‏

ولد في سنة 1071، بمحلته‏:‏ ميدان فوره، ونشأ بهذه المعمورة‏.‏

أخذ العلوم، ولقي الجهابذة‏.‏

وسمع الحديث عن السيد‏:‏ مبارك المحدث الواسطي الحسيني البلكرامي، المتوفى سنة 1105، وهو أخذ عن الشيخ‏:‏ نور الحق، وهو عن أبيه الشيخ‏:‏ عبد الحق‏.‏

وتأدب على الشيخ‏:‏ غلام نقشبند اللكهنوي، وتفنن في الفنون العالية - سيما التفسير، والحديث، والسير، وأسماء الرجال، وتاريخ العرب والعجم -‏.‏

وأما اللغة‏:‏ فحسابها في بنانه، وكان القاموس على لسانه‏.‏

وأما الأدب‏:‏ فهو معدن جواهره، ولجة عنابره، كان عارفا بالعربية، والفارسية، والتركية، والهندية، وتكلم بالأربعة المذكورة في غاية الطلاقة، وأنشأ في كل منها أشعارا في نهاية الرشاقة‏.‏

واجتمع بالسيد‏:‏ علي معصوم - صاحب‏:‏ ‏(‏سلافة العصر‏)‏ - بأورنك آباد، فقال‏:‏ ما رأيت لهذا السيد بالهند نظيرا‏!‏ ، لازم السلطان عالمكير، فأعطاه عمل بخشيكري، ووقائع نكاري - بلدة كجرات، من بلاد فنجاب -، ثم بلدة بكر، وبلدة سيرستان - من‏:‏ بلاد السند -، فعمل فيها بالسيرة الحسنى، وتقررت عليه هذه الأعمال، في الطبقات التي بعد عالمكير، وعاد في سنة 1126 من بكر إلى شاهجهان آباد، ولازم السلطان‏:‏ فرخ سير، ثم استعفى عن الخدمات، وفوض خدمته إلى ابنه ‏(‏3/ 237‏)‏ السيد‏:‏ محمد، وأتى بلكرام، فتتلمذ عليه حفيده‏:‏ السيد آزاد، ثم رجع بعد سنة إلى دهلي، وأقام بها‏.‏

وتوفي في سنة 1138، ونقل جسده إلى بلكرام، ودفن بها في‏:‏ بستان محمود، وخرج من التابوت سالما، قال آزاد في تاريخ وفاته‏:‏ ‏(‏للذين أحسنوا الحسنى وزيادة‏)‏، وأيضا‏:‏ ‏(‏أولئك لهم عقبى الدار، جنات عدن‏)‏‏.‏

ومن تفرداته، دليل هندسي على إبطال جزء لا يتجزأ، ذكره في ‏(‏سبحة المرجان‏)‏، ومن أشعاره الفصيحة البليغة‏:‏

يا صاح لا تلم المتيم في الهوى ** هو عاشق لا ينثني عن خله

يأبى الدواء سقامه كعيونه ** فعلى الطبيعة يا معالج خله

حبيبي قوس حاجبه كنون ** وصاديد ابن مقلة شكل عينه

لعمري أنه نص جلي ** على أن الرماية حق عينه

ذكر له حفيده السيد‏:‏ آزاد ترجمة حافلة في ‏(‏سرد آزاد، وتسلية الفؤاد‏)‏، وغيرهما من مؤلفاته، وذكر من أشعاره وفضائله شيئا كثيرا، لا نطول بذكرها الكلام، ونظم في مدحه قصائد عظاما، منها‏:‏ قصيدته المشهورة، التي أولها‏:‏

أدرك عليلا لقاء منك يكفيه ** وطرفك الناعس الممراض يشفيه

 

السيد‏:‏ علي بن السيد‏:‏ أحمد بن السيد‏:‏ المعصوم الدشتكي

هو

من مشاهير الأدباء، وصناديد الشعراء، بيته بشيراز بيت العلم والفضل، والمدرسة النظامية بها منسوبة إلى جدة مير‏:‏ غياث الدين منصور، والسيد اشتهر‏:‏ بعلي المعصوم، تزوج بأخت شاه عباس الثاني الصفوي، وتوطن مكة المكرمة، وولد له من بطنها السيد‏:‏ أحمد، نشأ بمكة، واكتسب العلوم، وفاق الأقران‏.‏ ‏(‏3/ 238‏)‏

ثم إن مير‏:‏ محمد سعيد المخاطب‏:‏ بمير جملة، وزير السلطان‏:‏ عبد الله قطب شاه، والي حيدر آباد من بلاد الدكن، طلبه إلى حيدر آباد، فزوج قطب شاه بنته بالسيد أحمد، وما جاء له منها ولد، وكان قد تزوج قبل خروجه من مكة إلى الدكن بمكة، وتولد السيد‏:‏ علي بالمدينة، ولما مات قطب شاه، وتملك أبو الحسن، سعى في إتلاف أخلاف السيد أحمد، فهرب السيد علي عن الأسر، وجاء إلى السلطان عالمكير ببرهانبور، فأعطاه منصب هزاري، وبانصدي، وثلاثمائة فارس، كل واحد منهم صاحب فرسين، ولقبه‏:‏ بسيد علي خان‏.‏

ولما انتهض السلطان إلى أحمد نكركان السيد، حارسا على أورنك آباد مدة، ثم أخذ من السلطان حكومة ماهور - قلعة مشهورة، من ديار برار -، ثم استعفى عنها، وأخذ ديواني برهانبور، ثم رحل إلى الحرمين الشريفين، وبغداد، وسر من رأى، وكربلاء، ونجف، وطوس، ثم إلى أصفهان، وأدرك السلطان‏:‏ حسين الصفوي، وذهب إلى شيراز، وأقام بالمدرسة المنصورية، وأفنى عمره في إفادة طلبة العلم‏.‏

وتوفي سنة 1117، ولم يكن في أصله من الهند، وإنما دخل الهند، وتوطن بها مدة طويلة‏.‏

له مصنفات، منها‏:‏ ‏(‏أنوار الربيع، في أنواع البديع‏)‏، و ‏(‏سلافة العصر‏)‏، و ‏(‏شرح الصحيفة الكاملة‏)‏‏.‏

 

السيد‏:‏ محمد بن السيد‏:‏ عبد الجليل البلكرامي

كان حافلا لأصناف العلوم، وارثا لفضائل والده المرحوم، ولد في سنة 1101، بمحروسة بلكرام، تتلمذ على السيد‏:‏ محمد الأترولوي، وكان محررا لسوانح سلطان‏:‏ فرخ سير، ومتقلدا عمل بخشيكري - ببلدة بكر -، وسيوستان؛ له شعر حسن منه‏:‏

صنت عن عارضيه ناظرتي ** وتركت الهوى بلا ضنه

قال لي‏:‏ لا ترد ريحانا ** إنه خارج من الجنَّه ‏(‏3/ 239‏)‏

وله‏:‏ ‏(‏مختصر كتاب المستطرف‏)‏، ألفه في سنة 1155، وسماه‏:‏ ‏(‏الجزء الأشرف، من المستطرف‏)‏؛ وللسيد آزاد، في مدحه قصائد أمجاد‏.‏

توفي سنة 1188، وله أيضا‏:‏ ‏(‏تبصرة الناظرين‏)‏، بالفارسي، في التاريخ‏.‏

 السيد‏:‏ سعد الله السلوني

هو العالم المجدد لقول‏:‏ سلوني، والإمام القائل‏:‏ أنا طلاع الثنايا فاعرفوني‏.‏

ولد بسلون - قصبة من صوبة إله آباد -؛ وهو سبط الشيخ‏:‏ بير محمد السلوني - من مشاهير المشائخ -؛ وفق في صغر سنه باكتساب العلوم، وطوى مسافة التحصيل، في زمان يسير، وتربع على دست التدريس، وأطلق اليراع في مسارح التأليف، وحج، وأقام برهة في أم القرى، واعتقده أهل الحرمين الشريفين، وتتلمذوا عليه، وأخذوا عنه الطريقة‏.‏

منهم‏:‏ الشيخ عبد الله البصري، المكي - صاحب‏:‏ ‏(‏ضياء الساري، شرح صحيح البخاري‏)‏؛ ثم عاد إلى الهند، وتزوج بالبندر المبارك سرة، وصار مرجعا للأنام‏.‏

وتوفي بسرة، في سنة 1038 الهجرية - رحمه الله تعالى -‏.‏

 

السيد‏:‏ طفيل محمد بن السيد‏:‏ شكر الله الحسيني، الأترولوي، البلكرامي

كان فاضلا، عارفا، كاملا، عالما، بالعلوم الدرسية من العقلية والنقلية‏.‏

ولد بأترولي، في سنة 1073 - قصبة من توابع‏:‏ آكره -؛ رحل مع عمه السيد‏:‏ أحسن الله إلى دهلي، وقرأ الدرس الأول من‏:‏ ‏(‏ميزان الصرف‏)‏ على السيد‏:‏ حسين، الملقب‏:‏ برسول نما؛ ثم قرأ على عمه المذكور ‏(‏شرح الجامي‏)‏، وجاء إلى بلكرام طلبا للعلم، وتتلمذ على السيد المربي، المتوفى في سنة 1117، والحاج السيد‏:‏ سعد الله، المتوفي سنة 1119، تلميذ ملا‏:‏ عبد الرحيم قاضي مراد آباد - من توابع شاهجهان آباد -؛ وهو تتلمذ على عبد الحكيم السيالكوني، وعلى القاضي‏:‏ عليم الله الكجندوي، المتوفى سنة 1115، والسيد‏:‏ قطب الدين الشمس آبادي، ثم أحيى ‏(‏3/ 240‏)‏ العلوم سبعين عاما، وكان رفيق السيد‏:‏ عبد الجليل البلكرامي، في سفر آكره، ولم يتزوج‏.‏

توفي في سنة 1151؛ وله شعر حسن، منه‏:‏

بهجتي غادة قالت لجارتها‏:‏ ** شخص أراه خليعا فارغ البال

يحوم كل أوان حول مشربتي ** إني لأقتله في أسرع الحال

مدحه السيد آزاد بقصيدة بديعة، أولها‏:‏

يا للأحبة ساروا في التباشير ** فاسودّ يومي كأحداق اليعافير

 

الشيخ‏:‏ نور الدين بن محمد صالح الأحمد آبادي

كان أوحد زمانه، وفرد أوانه‏.‏

تتلمذ على ملا‏:‏ أحمد السليماني، وملا‏:‏ فريد الدين الأحمد، الآباديين‏.‏

وأخذ من كل فن حظا وافرا، وقسطا متكاثرا، وحج، وعاد إلى أحمد آباد، ولبس الخرقة عن السيد محبوب عالم الملقب‏:‏ بشاه عالم الثاني، وبنى مدرسة بها رفيعة، وعكف على التدريس والتصنيف، وتواليفه تزيد على‏:‏ مائة وخمسين كتابا‏.‏

منها‏:‏ ‏(‏تفسير مختصر‏)‏، و ‏(‏الحاشية على البيضاوي‏)‏، و ‏(‏نور القاري، شرح صحيح البخاري‏)‏، و ‏(‏الحاشية القويمة، على الحاشية القديمة‏)‏، و ‏(‏حاشية شرح المواقف‏)‏، و ‏(‏حل المعاقد، حاشية شرح المقاصد‏)‏، و ‏(‏حاشية شرح المطالع‏)‏، و ‏(‏حاشية التلويح‏)‏، و ‏(‏حاشية العضدي‏)‏، و ‏(‏المعول، حاشية المطول‏)‏، و ‏(‏الحواشي على‏:‏ شرح الوقاية، وعلى شرح الجامي على الكافية، وعلى المنهل‏)‏، و ‏(‏الشمسية في المنطق‏)‏، و ‏(‏شرح تهذيب المنطق‏)‏‏:‏ وهو أدق تصانيفه، و ‏(‏الطريق الأمم، شرح فصوص الحكم‏)‏‏.‏

ولد بأحمد آباد، في سنة 1064؛ وتوفي بها، في سنة 1155، عن إحدى وتسعين سنة، تاريخ وفاته أعظم الأقطاب‏.‏ ‏(‏3/ 241‏)‏

 

ملا‏:‏ نظام الدين بن ملا‏:‏ قطب الدين السهالوي

كان فاضلا، جيدا، عارفا بالفنون الدرسية، والعلوم العقلية والنقلية، تتلمذ على الشيخ‏:‏ غلام نقشبند اللكهنوي، وأقام بلكهنؤ، واشتغل بالتدريس والتأليف، وانتهت إليه رياسة العلم في بورب، بايع الشيخ‏:‏ عبد الرزاق البانسوي، المتوفى سنة 1136، وأخذ النصوص الكثيرة عن السيد‏:‏ إسماعيل البلكرامي، المتوفي سنة 1164‏.‏

قال السيد آزاد‏:‏ اجتمعت به، فوجدته على طريقة السلف الصالحين، وكان يلمع من جبينه نور القدس، توفي في سنة 1161‏.‏

ومن تصانيفه‏:‏ ‏(‏حاشية على شرح هداية الحكمة‏)‏ للصدر الدين الشيرازي، و ‏(‏شرح على مسلم الثبوت‏)‏ في أصول الفقه، - رحمه الله تعالى -‏.‏

مسند الوقت، الشيخ الأجل‏:‏ شاه ولي الله أحمد بن عبد الرحيم المحدث الدهلوي

له رسالة، سماها‏:‏ ‏(‏الجزء اللطيف، في ترجمة العبد الضعيف‏)‏، ذكر فيها ترجمته بالفارسية مفصلة‏.‏

وحاصلها‏:‏ أنه ولد يوم الأربعاء، رابع شوال، وقت طلوع الشمس، في سنة 1110 الهجرية، تاريخه عظيم الدين، ورأى جماعة من الصلحاء - منهم‏:‏ والده الماجد - مبشرات قبل ولادته، وهي مذكورة في كتاب‏:‏ ‏(‏القول الجلي، في ذكر آثار الولي‏)‏ للشيخ‏:‏ محمد عاشق بن عبيد الله البارهوي البهلتي، المخاطب‏:‏ بعلي؛ واكتسب في صغر سنه الكتب الفارسية، والمختصرات من العربية، وشرع في قراءة شرح الجامي، وهو ابن عشرة سنين، وتزوج وهو ابن أربع عشرة سنة، واستسعد ببيعة والده، في الخامسة عشر من عمره، واشتغل بأشغال المشائخ النقشبندية، ولبس خرقة الصوفية، وقرأ البيضاوي، وأجيز بالدرس، وفرغ من تحصيل العلم، وقرأ ‏(‏3/ 242‏)‏ طرفا من‏:‏ ‏(‏المشكاة‏)‏، و ‏(‏الصحيح للبخاري‏)‏، و ‏(‏الشمائل‏)‏ للترمذي، و ‏(‏المدارك‏)‏‏.‏

ومن علم الفقه‏:‏ شرح الوقاية والهداية، بتمامها إلا طرفا يسيرا‏.‏

ومن أصول الفقه‏:‏ الحسامي، وطرفا صالحا من التوضيح والتلويح‏.‏

ومن المنطق‏:‏ شرح الشمسية، وقسطا من شرح المطالع‏.‏

ومن الكلام‏:‏ شرح العقائد، وجملة من الخيالي، وشرح المواقف، وقطعة من العوارف‏.‏

ومن الطب‏:‏ موجز القانون‏.‏

ومن الحكمة‏:‏ شرح هداية الحكمة‏.‏

ومن المعاني‏:‏ المختصر، والمطول، وبعض الرسائل في الهيئة، والحساب‏.‏‏.‏‏.‏ إلى غير ذلك، وبرع في هذه كلها، وأجازه والده بأخذ البيعة ممن يريدها، وقال‏:‏ يده كيده‏.‏

ثم اشتغل بالدرس، نحوا من اثنتي عشرة سنة، وحصل له فتح عظيم في التوحيد، والجانب الواسع في السلوك، ونزل على قلبه العلوم الوجدانية، فوجا فوجا، وخاض في بحار المذاهب الأربعة، وأصول فقههم، خوضا بليغا، ونظر في الأحاديث التي هي متمسكاتهم في الأحكام، وارتضى من بينها - بإمداد النور الغيبي - طريق الفقهاء المحدثين، واشتاق إلى زيارة الحرمين الشريفين، فرحل إليهما، في سنة 1143، وأقام هناك عامين كاملين، وتتلمذ على الشيخ‏:‏ أبي الطاهر المدني، وغيره من مشائخ الحرمين، وتوجه إلى المدينة المنورة، واستفاض فيضا كثيرا، وصحب علماء الحرمين صحبة شريفة، ثم عاد في سنة 1145 إلى الهند‏.‏

ومن نعم الله تعالى عليه‏:‏ أن أولاه خلعة الفاتحية، وألهمه الجمع بين الفقه، والحديث، وأسرار السنن، ومصالح الأحكام، وسائر ما جاء به - صلى الله عليه وسلم - من ربه - عز وجل -، حتى أثبت عقائد أهل السنة بالأدلة والحجج، وطهرها من قذى أمس المعقول، وأعطي علم الإبداع، والخلق، والتدبير، والتدلي، مع طول وعرض، وعلم استعداد النفوس الإنسانية لجميعها، وأفيض عليه الحكمة العملية، وتوفيق ‏(‏3/ 243‏)‏ تشييدها بالكتاب والسنة، وتمييز العلم المنقول، من المحرف المدخول، وفرق السنة السنية، من البدعة الغير المرضية‏.‏ انتهى‏.‏

وكانت وفاته في سنة 1176 الهجرية‏.‏

وله‏:‏ مؤلفات جليلة ممتعة، يجل تعدادها‏.‏

منها‏:‏ ‏(‏فتح الرحمن، في ترجمة القرآن‏)‏، و ‏(‏الفوز الكبير، في أصول التفسير‏)‏، و ‏(‏المسوى والمصفى‏)‏ في شروح الموطأ، و ‏(‏القول الجميل، والخير الكثير‏)‏، و ‏(‏الانتباه‏)‏، و ‏(‏الدر الثمين‏)‏، وكتاب‏:‏ ‏(‏حجة الله البالغة‏)‏، وكتاب‏:‏ ‏(‏إزالة الخفاء، عن خلافة الخلفاء‏)‏، و ‏(‏رسائل التفهيمات‏)‏، وغير ذلك‏.‏

وقد ذكرت له ترجمة حافلة في كتابي‏:‏ ‏(‏إتحاف النبلاء المتقين، بإحياء مآثر الفقهاء المحدثين‏)‏؛ وذكر له معاصرنا المرحوم‏:‏ المولوي محمد محسن بن يحيى البكري التيمي الترهتي - رحمه الله - ترجمة بليغة في رسالته‏:‏ ‏(‏اليانع الجني‏)‏، وبالغ في الثناء عليه، وأتى بعبارة نفيسة جدا، وأطال في ذكر أحواله الأولى والأخرى، وأطاب، فإن شئت زيادة الاطلاع، فارجع إليهما‏.‏

وقد طبع كتابه‏:‏ ‏(‏الحجة‏)‏ لهذا العهد بمصر، وكذا ‏(‏الإزالة‏)‏ بالهند، بنفقة الشيخ الوزير‏:‏ محمد جمال الدين خان - مدير مهمات الرياسة، عافاه الله تعالى -؛ وكان له أولاد صالحون‏:‏ الشيخ عبد العزيز، والشيخ رفيع الدين، والشيخ عبد القادر، والشيخ عبد الغني‏:‏ والد الشيخ محمد إسماعيل الشهيد الدهلوي؛ وكلهم كانوا علماء، نجباء، حكماء، فقهاء، كأسلافهم وأعمامهم، كيف وهم من بيت العلم الشريف، والنسب الفاروقي المنيف‏!‏ وقد آذن الزمان الآن، بانصرام ذلك البيت وأهله، - فإنا لله وإنا إليه راجعون -‏.‏

وكان بيته في الهند بيت علم الدين، وهم كانوا مشائخ الهند في العلوم النقلية، بل والعقلية، أصحاب الأعمال الصالحات، وأرباب الفضائل الباقيات، لم يعهد مثل علمهم بالدين، علم بيت واحد من بيوت المسلمين، في قطر من أقطار ‏(‏3/ 244‏)‏ الهند، وإن كان بعضهم قد عرف بعض علم المعقول، وعُدَّ على غير بصيرة من الفحول، ولكن لم يكن علم الحديث، والتفسير، والفقه، والأصول، وما يليها، إلا في هذا البيت، لا يختلف في ذلك مختلف، من موافق ولا من مخالف، إلا من أعماه الله عن الإنصاف، ومسته العصبية والاعتساف، وأين الثرى من الثريا‏!‏ والنبيذ من الحميا‏!‏ - والله يختص برحمته من يشاء -‏.‏

ولكل من أخلافه - رحمهم الله -‏:‏ مؤلفات ممتعة، نافعة،‏:‏ ‏(‏كفتح العزيز‏)‏ في التفسير، و ‏(‏التحفة الإثنا عشرية‏)‏ في الرد على الروافض، و ‏(‏سر الشهادتين‏)‏، وغيرها، للشيخ‏:‏ عبد العزيز الدهلوي‏.‏

و ‏(‏مثدمة العلم‏)‏، و ‏(‏رسالة العروض‏)‏، و كتاب‏:‏ ‏(‏التكميل‏)‏، للشيخ‏:‏ رفيع الدين‏.‏

و ‏(‏موضح القرآن‏)‏، للشيخ‏:‏ عبد القادر‏.‏

و ‏(‏رسالة في أصول الفقه‏)‏، و ‏(‏رسالة في الإمامة‏)‏، و ‏(‏رد الإشراك‏)‏ للشيخ‏:‏ محمد إسماعيل الدهلوي‏.‏‏.‏‏.‏ إلى غير ذلك‏.‏

وهذه المصنفات‏:‏ ممتعة، نافعة، متداولة بين الناس، وفضائلهم شهيرة، وهي متلقاة بالقبول، من العلماء الأكياس‏.‏

لا يدرك الواصف المطري خصائصهم ** وإن لم يكن بالغافي كل ما وصفا

والشيخ‏:‏ عبد العزيز عمري

فاروقي في النسب، وكان السلف من آبائه من حفدة السيد‏:‏ ناصر الدين الشهيد، وجده الأعلى‏:‏ وجيه الدين الشهيد، حفيد للسيد‏:‏ نور الجبار المشهدي؛ ونسبه يتصل بالإمام موسى الكاظم‏.‏

ولد عام تسعة وخمسين ومائة وألف، دل عليه لقبه‏:‏ غلام حليم؛ قال صاحب‏:‏ ‏(‏اليانع الجني‏)‏‏:‏ ومنها كتابه‏:‏ ‏(‏بستان المحدثين‏)‏، جمع فيه علوم الحديث مهذبة، واختصرها منقحة، غير أني لم أقف عليها بعد‏.‏ انتهى‏.‏

قلت‏:‏ ليس فيه علوم الحديث، بل فهرس كتبها، وتراجم بعض أهلها، على غير ‏(‏3/ 245‏)‏ ترتيب وتهذيب، وقد أدرجته في مطاوي كتابي‏:‏ ‏(‏إتحاف النبلاء‏)‏، فليراجعه‏.‏

ومن أصحاب الشيخ عبد العزيز‏:‏ أخوه‏:‏ عبد القادر

كان عالما، زاهدا، فاضلا، عابدا، ذا ورع في الدين، وله وجه - وأي وجه‏!‏ - بين المتقين، صادق الفراسة، حسن التوسم، أخذ عنه جماعة، أجلهم‏:‏ الشيخ أبو العلاء فضل الحق العمري الخير آبادي، أحذق الناضرة والأدباء في زمانه‏.‏

قال في ‏(‏اليانع الجني‏)‏‏:‏ حدثنا هو بذلك، وسمعته غير مرة يثني عليه، ويحكي لنا من كراماته‏.‏ انتهى‏.‏

ومنهم‏:‏ أخوه‏:‏ الشيخ رفيع الدين

المحقق، المتقن، كانت له خبرة بعلوم الأوائل، وله مؤلفات جيدة، يكثر فيها من رموز خفية، يعسر الاطلاع عليها، ويجمع مسائل كثيرة في كلمات يسيرة، وكتابه‏:‏ ‏(‏دمغ الباطل‏)‏ في بعض المسائل الغامضة من علم الحقائق معروف، أثنى عليه به أهلها، وله‏:‏ ‏(‏مختصر جامع‏)‏ بيَّن فيه سريان الحب في الأشياء كلها، وأوضح للناس أطواره، يسمى‏:‏ ‏(‏أسرار المحبة‏)‏؛ ومن أجل تلاميذه‏:‏ سيدي، الوالد، الماجد، العلامة‏:‏ حسن بن علي بن لطف الله المحدث الحسيني، القنوجي، البخاري - قدس سره -؛ واستنتج من رسائله كتبا كثيرة بيده الشريفة أوان طلب العلم بدهلي، منها‏:‏

كتاب‏:‏ ‏(‏التكميل‏)‏، و ‏(‏رسالة العروض والقافية‏)‏، و ‏(‏رسالة مقدمة العلم‏)‏، وغير ذلك‏.‏

ثم إن الأخوين توفيا قبل الشيخ‏:‏ عبد العزيز، وكذا أخوهما‏:‏ عبد الغني، أبو إسماعيل الشهيد‏.‏

ومن أصحابه أيضا، ختنه‏:‏ الشيخ‏:‏ عبد الحي البكري

من برانه - بلدة من أعمال دهلي -؛ وكان من أحسنهم خبرة بالفقه الحنفي، وأمرسهم بالكتب الدرسية‏.‏

قال في ‏(‏اليانع الجني‏)‏‏:‏ رأيت له رسالة في حث الناس على تزويج أَيَامَاهم، وردعهم عن استقباح ذلك‏.‏

توفي في الغزوة المشهورة، بأرض الأفاغنة‏.‏ انتهى‏.‏

قلت‏:‏ وكان من أخبار سيدي الوالد، وليس له تأليف مستقل، إلا هذه الفتاوى التي كتبها، ويذكر عنها في الحوائج، وله إجازة عن شيخنا وبركتنا‏:‏ الشوكاني ‏(‏3/ 246‏)‏ مكاتبة، وهو أول من جاء بتأليفه إلى أرض الهند، وأشاعه، ثم تتابع الناس‏.‏

ومنهم‏:‏ ابن أخيه‏:‏ إسماعيل بن عبد الغني

كان من أذكى الناس بأيامه، وكان أشدهم في دين الله، وأحفظهم للسنة، يغضب لها، ويندب إليها، ويشنع على البدع وأهلها، ومن مصنفاته‏:‏ ‏(‏كتاب الصراط المستقيم‏)‏ في التصوف، و ‏(‏الإيضاح في بيان حقيقة السنة والبدعة‏)‏، و ‏(‏مختصر في أصول الفقه‏)‏، و ‏(‏تنوير العيني‏)‏‏.‏

قال في ‏(‏اليانع الجني‏)‏‏:‏ انفرد فيها بمسائل عن جمهور أصحابه، واتبعه عليها أناس من المشرق، ومن بنجالة، وغيرها، أكثر عددا من حصى البطحاء‏.‏

وله كتاب آخر في التوحيد والإشراك، فيه أمور في حلاوة التوحيد والعسل، وأخرى في مرارة الحنظل، فمن قائل‏:‏ إنها دُسَّت فيه، وقائل‏:‏ إنه تعمدها، - والله عالم بالسرائر -‏.‏ انتهى‏.‏

وأقول‏:‏ ليس في كتابه الذي أشار إليه، وهو المسمى‏:‏ ‏(‏برد الإشراك‏)‏ في العربية، و ‏(‏بتقوية الإيمان‏)‏ بالهندية شيء مما يشان به عرضه العلي، ويهان به فضله الجلي، وإنما هذه المقالة الصادرة عن صاحب ‏(‏اليانع الجني‏)‏ مصدرها تتلمذه بالشيخ‏:‏ فضل حق الخير آبادي، فإنه أول من قام بضده، وتصدى لرده، في رسائله التي ليست عليها آثاره من علم الكتاب والسنة، وإن شئت زيادة الاطلاع على حاله ومآله، فارجع إلى كتابنا‏:‏ ‏(‏إتحاف النبلاء‏)‏، يتضح عليك ما تذهب به الشحناء من صدرك - إن شاء الله تعالى -‏.‏

ومنهم‏:‏ ابن بنته‏:‏ الشيخ محمد إسحاق المهاجر

يقال‏:‏ إنه ولد على التقوى، ترجمة المشكاة له معروفة، مرغوب فيها، على ما فيها من عوج، وكذا بعض رسائل فارسية تنسب إليه، نعم كان كثير العبادة، قليل العلم، غزير التقوى، نزره الاطلاع على الفنون‏.‏

ومنهم‏:‏ الشيخ جمال الدين، المعروف‏:‏ بحسن علي الهاشمي، اللكنوي

كان له خبرة في الحديث، يعتني لعلومه‏.‏ ‏(‏3/ 247‏)‏

واشتهر أنه كان شافعي المذهب، رأيت له فتاوى بالفارسية، على طريقة الفقهاء، ولم يجد له عزما يمتاز به عن غيره‏.‏

وكان من أحباب سيدي‏:‏ الوالد الماجد - رحمه الله -، وقد تعقبه الوالد في بعض مسائله‏.‏

ومنهم‏:‏ الشيخ‏:‏ رشيد الدين خان الدهلوي

كان فاضلا، جامعا بين كثير من العلوم الدرسية، وكان حسن العبارة، دأبه الذب عن حمى أهل السنة والجماعة، والنكاية في الرافضة المشائيم، صنف في الرد عليهم كتابه‏:‏ ‏(‏الشوكة العمرية‏)‏، وغيرها، مما يعظم موقعه عند الجدليين من أهل النظر، ونجاره كشميري‏.‏

ومن رهطه‏:‏ شيخي، المفتي‏:‏ صدر الدين خان بهادر

ولي الصدارة بدهلي من جهة البرطانية - حكام الهند اليوم - فاستمر عليها إلى الفتنة‏.‏

وأخذ الحديث عن الشيخ المهاجر، وله رسالة‏:‏ ‏(‏منتهى المقال، في شد الرحال‏)‏‏.‏

قال في ‏(‏اليانع الجني‏)‏‏:‏ قد تأنق فيها - سلمه الله تعالى -‏.‏ انتهى‏.‏ أي‏:‏ أتى بتحقيقات رائقة‏.‏

قلت‏:‏ هذا غلط بحت، بل زل فيها زلة عظيمة، تنبئ عن قلة اطلاعه على أدلة المسألة وماجرياتها، وقد رد عليه فيها بعض علماء الهند، ويغني عن ذلك كله كتاب‏:‏ ‏(‏الصارم المنكي‏)‏ في هذا الباب‏.‏

ومنهم‏:‏ السيد حيدر علي الرامفوري

نزيل تونك - رحمه الله -، أخذ عن الشيخ‏:‏ عبد العزيز المحدث، وكان فاضلا، جليلا، جمع علم الطب إلى سائر علومه، وكان يذب عن إسماعيل الشهيد‏.‏

قال في ‏(‏اليانع الجني‏)‏‏:‏ وله مع شيخنا أبي العلاء الفضل بن الفضل الخير آبادي مباحثات في شأن إسماعيل، يحويها بطون مؤلفاتهما، بدرت منه عند البحث بوادر وهَّاها العلماء‏.‏توفي في المحرم، مستهل عام القرطاس - رحمه الله -‏.‏ انتهى‏.‏ ‏(‏3/ 248‏)‏

قلت‏:‏ والحق، أن الحق في تلك المباحث بيد السيد، لا بيد الشيخ، كما يظهر من الرجوع إلى كتبهما عند نظر الإنصاف، وقد رأيت أكثرها، ولم أر السيد كما رأيت الشيخ، وقد كتب على بعض كتب لي تقريظات حسنة، وبالغ فيه في الثناء عليّ بما لست أهلا له‏.‏

ومنهم‏:‏ الشيخ، الفاضل‏:‏ سلامة الله البدايوني

ثم الكانفوري، من ذرية عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، كان فقيها، صوفيا، شاعرا، واعظا، حصلت له الإجازة من قبل الشيخ عبد العزيز، واجتمع معه في آخر عمره، وكتب له أيضا الشيخ‏:‏ رفيع الدين الإجازة بيده، من قبل أخيه‏.‏

قال في ‏(‏اليانع الجني‏)‏‏:‏ وهو من أجلة أشياخي في الهند‏.‏ انتهى‏.‏ ثم أثنى عليه، وذكر له تأليفات في‏:‏ التصوف، والشعر، والرد على الرافضة‏.‏

وأقول‏:‏ عِدَادُه عندنا من العلماء المبتدعين، والفضلاء المريدين للدنيا، المؤثرين لها على الآخرة، - والله أعلم‏.‏

 

السيد‏:‏ محمد يوسف بن السيد‏:‏ محمد أشرف الواسطي، البلكرامي

كان قسطاس المعقولات، ونبراس المنقولات‏.‏

ولد في سنة 1116، وهو سبط‏:‏ السيد عبد الجليل، وابن خالة‏:‏ السيد آزاد، كسبا العلوم بالموافقة، وسلكا جادة التحصيل بالمرافقة، وقرأ الكتب الدرسية والفنون - من البداية إلى النهاية - على السيد‏:‏ طفيل محمد - المتقدم ذكره -، واللغة والسير على جدهما‏:‏ السيد عبد الجليل، والعروض والقوافي على السيد‏:‏ محمد، ثم اكتسب الهيئة والهندسة من‏:‏ فضلاء دهلي، حين رحل آزاد إلى الحرمين الشريفين، وبايع السيد‏:‏ لطف الله الحسيني الواسطي البلكرامي، واستقام على الشرائع، وأقام في الوطن، ورمى الدهر آزاد إلى الدكن، ثم توفي في سنة 1173، ودفن عند قدم جده - المذكور -، له شعر حسن في اللسانين‏:‏ العربي، والفارسي، منه‏:‏

لاحت لنا روضة راقت مباسمها ** وعارضت في السنا برق اليعاليل ‏(‏3/ 249‏)‏

فلا تخل تلك أوراد بسمن بها ** هن المصابيح في حمر القناديل

وله كتاب‏:‏ ‏(‏الفرع النابت، من الأصل الثابت‏)‏ في التوحيد الشهودي، وقفت عليه فوجدته مفيدا في بابه، خطيبا في محرابه، أرّخ له السيد آزاد بأبيات عربية ذكرها في‏:‏ ‏(‏سبحة المرجان، في آثار هندوستان‏)‏‏.‏

 

السيد‏:‏ قمر الدين الحسيني، الأورنك آبادي

كان قمرا طالعا، في ميزان الشرع المبين، وكوكبا ساطعا، في أوج الشرف الرصين، آباؤه من سادات خجند، والسيد ظهير الدين منهم، هاجر منها إلى الهند، وتوطن في آمن آباد - من توابع لاهور -، ثم ابنه‏:‏ السيد محمد رحل إلى الدكن، وكان ابنه‏:‏ السيد عناية الله من العرفاء، أخذ الطريقة النقشبندية عن الشيخ‏:‏ أبي المظفر البرهان فوري، عن الشيخ‏:‏ محمد معصوم، عن أبيه‏:‏ الشيخ أحمد السهرندي، وتوطن ببلدة بالابور، على أربع منازل من برهانفور، وتوفي بها سنة 1117‏.‏

وابنه‏:‏ السيد منيب الله، المتوفي سنة 1161، كان من العرفاء أيضا؛ وصاحب هذه الترجمة ولده الأرشد، ولد سنة 1123، وساح في مناهج الفنون، وبرع في العلوم العقلية والنقلية، حتى صار في النقليات إماما بارعا، وفي العقليات برهانا ساطعا، حفظ القرآن، وزان العلم بالعمل، وراح إلى دهلي، وسهرند، وزار قبر المجدد، ورحل إلى لاهور، واجتمع بطائفة من العلماء والعرفاء في تلك البلاد، ثم رجع إلى بالابور، وجاء إلى أورنك آباد، وانعقد الوداد بينه وبين السيد آزاد، فكانا فرقدين على فلك الاتحاد، ثم ارتحل إلى الحرمين الشريفين، مع ابنيه الكريمين‏:‏ ميرنور الهدى، ومينور العلي؛ ورجع إلى الهند، ثم انتهض مع أهل بيته إلى أورنك آباد‏.‏

له‏:‏ كتاب في مسألة الوجود سماه‏:‏ ‏(‏مظهر النور‏)‏، بيَّن فيه مذاهب العلماء، ومسالك المتكلمين والحكماء، ذكر طرفا منها السيد آزاد في ‏(‏السبحة‏)‏، وأرخ له بأبيات عربية أولها‏:‏ ‏(‏3/ 250‏)‏

فاح عرف النسيم في السحر ** وأتاني بأطيب الخبر

توفي في أرونك آباد، في سنة 1193، ودفن داخل البلد، قال آزاد في تاريخ وفاته، موت العلماء ثلمة‏.‏

 

المين‏:‏ نور الهدى بن السيد‏:‏ قمر الدين

نور هذا القمر الوقاد، وثمر هذا الشجر المياد، ولد في سنة 1153 بأورنك، وتتلمذ من البدء إلى الغاية على أبيه، وبرع في العلوم الدرسية، وهو ابن ستة عشر سنة، ثم حفظ القرآن الكريم، وحج، وعاد مع أبيه، وعكف على التدريس والتصنيف، وحرر شرحا على مظهر النور لوالده، أورد آزاد شيئا من عبارة هذا الشرح في ‏(‏سبحة المرجان‏)‏، وأثنى عليه ثناء جميلا‏.‏

 

السيد‏:‏ غلام علي آزاد بن السيد‏:‏ نوح الحسيني

نسبا، الواسطي حسبا، البلكرامي مولدا ومنشأ، والحنفي مذهبا، الجشتي طريقة، الملقب‏:‏ بحسان الهند، ذكر لنفسه الشريفة ترجمة حافلة بالعربية والفارسية، في غالب كتبه‏.‏

وهذا خلاصتها‏:‏

ولد في الخامس والعشرين من صفر، يوم الأحد، سنة 1116، بمحروسة بلكرام، وأتم تحصيل الكتب الدرسية - من البداية إلى النهاية - على السيد‏:‏ طفيل محمد؛ وأخذ اللغة، والسير، وسند الحديث المسلسل بالأولية، وحديث الأسودين، وإجازة أكثر كتب الحديث، والشعر العربي، والفارسي، عن جده‏:‏ القريب من جهة الأم السيد‏:‏ عبد الجليل البلكرامي؛ والعروض، والقوافي، عن خاله‏:‏ السيد محمد؛ وبايع السيد‏:‏ لطف الله البلكرامي، المتوفى سنة 1143، ورحل إلى البيت العتيق، ولذلك قصة عريضة طويلة، ذكرها في ‏(‏سبحة المرجان‏)‏، و ‏(‏تسلية الفؤاد‏)‏، وغيرهما، بعبارة أحلى من العسل المصفى، ومر في هذه الرحلة على بلدة بهوبال المحمية، وقرأ بالمدينة المنورة صحيح البخاري على الشيخ‏:‏ محمد حياة السندي، وأخذ عنه إجازة الصحاح الستة، وسائر مقروءاته؛ وصحب الشيخ‏:‏ عبد الوهاب الطنطاوي، المصري، المتوفى سنة 1157؛ وأخذ عنه فوائد جمة، وعرض عليه تخلّصه آزاد، فقال‏:‏ أنت من عتقاء الله تعالى، فاستبشر بهذه الكلمة، وأرّخ لحجه بلفظ‏:‏ عمل ‏(‏3/ 251‏)‏ أعظم‏.‏

ورحل إلى الطائف، وزار هناك قبر سيدنا‏:‏ عبد الله بن عباس - رضي الله عنه -، ثم رجع إلى الهند، وأرخ له لفظ‏:‏ ‏(‏سفر بخير‏)‏، وألقى عصا التسيار بأورنك آباد، وأقام في تكية الشاه‏:‏ مسافر الغجدواني، المتوفى سنة 1126 هـ، عند شاه محمود، المتوفى في سنة 1175 سبعة أعوام، وحصل بينه وبين نواب نظام الدولة‏:‏ ناصر جنك خلف نواب نظام الملك‏:‏ آصف جاه الموافقة، فأحبه حبا شديدا، ورفعه مكانا عليا، وكان لا يدعه في الظعن والإقامة، حتى فاز برتبة الشهادة، في سنة 1164، وكان يوما راكبا على الفيل، وآزاد أيضا على فيل آخر، فأنشد‏:‏

هو ناصر الإسلام سلطان الورى ** أبقاه في العيش المخلد ربه

حاز المناقب والمآثر كلها ** جبل الوقار يحبنا ونحبه

ولم ينظم قط في مدح غني بيتا إلا هذين، وكان نزيلا بأورنك آباد، ثابتا في مقام الفقر والفناء، مجتمعا كالمركز في دائرة الانزواء، ولما توفي نظام الملك في سنة 1161، وتولى نظام الدولة رياسة الدكن، بالغ في اختياره لمنصب من مناصب الإمارة، فأبى، ونفض الذيل عن الهبا، وقال‏:‏

هذه الدنيا مثل نهر طالوت، غرفة منه حلال، والزيادة عليها حرام، وأنشد‏:‏

عصابة أعطوا العافين سلطنة ** أن سلموني لنفسي فهو مغتنم

وله مصنفات‏:‏ جليلة، ممتعة، مقبولة، منها‏:‏

‏(‏ضوء الدراري، شرح صحيح البخاري‏)‏ إلى آخر كتاب الزكاة، وقفت عليه، وذكرت أوله في كتابي‏:‏ ‏(‏الحطة، بذكر الصحاح الستة‏)‏، و ‏(‏تسلية الفؤاد‏)‏، و ‏(‏سبحة ‏(‏3/ 252‏)‏ المرجان‏)‏، و ‏(‏شفاء العليلي‏)‏ في المؤاخذات على المتنبي في ديوانه، و ‏(‏غزلان الهند‏)‏، و ‏(‏سند السعادة‏)‏، و ‏(‏سرو آزاد‏)‏، وخزائنه عامرة، ويده بيضاء، و ‏(‏روضة الأولياء‏)‏، و ‏(‏مآثر الكرام‏)‏، و ‏(‏تاريخ بلكرام‏)‏، ورسائل أخر، وديوانان؛ وما ظهر في الهند قبله من يكون له ديوان عربي، ومن يكون له عشر عربي على هذه الحالة، وقرر نصاب القصيدة أحدا وعشرين بيتا، إلى أحد وثلاثين، وهي الدرجة الوسطى التي تريح الأسماع، ولا تمل الطباع؛ وجملة أشعاره في الدواوين‏:‏ ثلاثة آلاف، وأرسلها إلى بعض الفضلاء بالمدينة المنورة، فعرضها على الروضة الخضراء، وأوصلها إلى داخل شباك القبة الغراء؛ والأمثلة المترشحة من قلمه في كتاب ‏(‏سبحة المرجان‏)‏ زائدة على ثلاثين ألف‏.‏

هذا آخر ما لخصته من كتابه المذكور، وله الدواوين السبعة بالعربية، تغزل فيها، وأكثر من مدحه - صلى الله عليه وسلم -، وهي موجودة عندي‏.‏

وله‏:‏ ‏(‏مظهر البركات‏)‏ في البحر الفارسي، واللسان العربي، على وزن المثنوي، أجاد فيه كل الإجادة، وقد ذكرت ترجمته أيضا في كتاب‏:‏ ‏(‏إتحاف النبلاء‏)‏، وأوردت طرفا صالحا من أشعاره الغراء‏.‏

وله‏:‏ ثلاثة ديوان أُخر، غالبها مدح النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يعرف لأحد من علماء الهند، من يكون له الشعر العربي بهذه الكثرة والمثابة، وأُعطي لقب‏:‏ حسان الهند، من جهة الأستاذ‏.‏

وتوفي في سنة 1194، في بلدة أورنك آباد، ودفن بالموضع الذي يعرف‏:‏ بالروضة - أحله الله تعالى في روضة الجنان، وخصه بنعيم الروح والريحان ‏.‏

 

السيد‏:‏ جان محمد البلكرامي

هو ابن عم السيد‏:‏ عبد الجليل العلامة الواسطي‏.‏ ‏(‏3/ 253‏)‏

ولد في سنة 1083، وكان أبوه‏:‏ السيد معين الدين صاحب دار العدالة ببلدة ملتان، أقره على هذه ناظمها‏:‏ نواب مكرم خان، خلف نواب شيخمير، في عهد عالمكير، وحفظ القرآن، وأخذ القراءة، ثم رتع في رياض العلوم، وارتقى بها إلى أعالي الغصون، فحاول من كل فن طرفا صالحا، وتناول من كل نوع وزنا راجحا، واكتسب قلم النسخ في غاية الملاحة، وكان يتكلم بالفارسية في نهاية الفصاحة، ثم خرج من الوطن شوقا إلى الحج، وذهب إلى بغداد، وسُرَّ من رأى، ومنها إلى نجف، وكربلاء، وطوس، ومنها إلى البيت الحرام، وأدى مناسك الركن والمقام، وسار إلى المدينة، وأقام بها متمنيا للموت، وكان يجلس بالمسجد النبوي، ويصحح المصاحف، إلى أن توفي في سنة 1149، ودفن بالبقيع‏.‏

ومدحه السيد آزاد، بقصيدة بليغة، في ‏(‏تسلية الفؤاد‏)‏، أولها‏:‏

حي الغمام بساكب هتان ** أرضا هناك أو أنس الغزلان

ومنها‏:‏

طوبى لقوم هاجروا وتوطنوا ** تلك الديار ومعادن الإيمان

وذكر فيها قصة هجرته إلى الحرمين، وما وقع له في هذا البين‏.‏

المولوي‏:‏ فضل الحق العمري، الحنفي، الماتريدي، الجشتي، الخير آبادي

ولد بها في سنة 1212، يرجع نسبه إلى سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -‏.‏

تتلمذ على أبيه الفاضل‏:‏ فضل إمام، وسمع الحديث على الشيخ الأجل‏:‏ عبد القادر بن مسند الوقت الشاه ولي الله المحدث الدهلوي، وحفظ الكتاب في أربعة أشهر، وفرغ عن اكتساب العلوم، وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وأخذ الطريقة عن‏:‏ شاه دهو من الدهلوي، وصار بارعا في‏:‏ علم المنطق، والحكمة، والفلسفة، والعربية، والكلام، والأصول، والشعر؛ ونظمه‏:‏ يزيد على أربعة آلاف شعر، وغالب قصائده مدح النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبعضها‏:‏ في هجو الكفار والفساق‏.‏

أتته الطلبة للاشتغال عليه من بلاد بعيدة، فدرس، وأفاد، وألف، وأجاد، إلى أن حُبس على يد الإفرنج، وأرسل ‏(‏3/ 254‏)‏ به إلى جزيرة رنكون، فتوفي بها، ثاني عشر صفر، من سنة 1278‏.‏

كان إمام وقته في العلوم الحكمية والفلسفية بلا مدافع، غير أنه وقع في أهل الحق، ونال منهم على تعصب منه، وكان السبب في ذلك‏:‏ قلة الخبرة منه بعلوم السلف، وطريقتهم في الدين، واتباعهم للأدلة الواردة عن سيد المرسلين، مع ميل إلى البدع التي يستحسنها المقلدة، ولذا انتقد عليه عصابة من علماء الحق تواليف في ذلك‏.‏

ومن مؤلفاته‏:‏ ‏(‏رسالة‏:‏ الجنس الغالي، في شرح الجوهر العالي‏)‏، و ‏(‏حاشية شرح السلم‏)‏ للقاضي مبارك، و ‏(‏حاشية الأفق المبين‏)‏ لباقر داماد، و ‏(‏حاشية تلخيص الشفاء‏)‏ لابن سينا، و ‏(‏الهداية السعيدية، في الحكمة الطبيعية‏)‏، و ‏(‏رسالة في‏:‏ تحقيق العلم والمعلوم‏)‏، و ‏(‏الروض المجود، في تحقيق حقيقة الوجود‏)‏، و ‏(‏رسالة في‏:‏ تحقيق الأجسام‏)‏، و ‏(‏رسالة في‏:‏ تحقيق الكلي الطبعي، وفي التشكيك، وفي الماهيات‏)‏، و ‏(‏تاريخ فتنة الهند‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلى غير ذلك‏.‏

وله‏:‏ نظم رائق، وشعر فائق، لولا انه أكثر فيه من التجنيس، الذي ينبو عنه السماع، وتأباه الطباع، وقصائد، وغزليات، وتقاريظ، وأدبيات، جمعها الشيخ الأديب‏:‏ جميل أحمد البلكرامي - المرحوم - في مجموع، وشرح معانيها، وقد رأيت الشيخ‏:‏ فضل الحق بدهلي زمان الطلب وهو كهل، في المسجد الجامع، وقد أتى هناك لصلاة الجمعة، وزيه زي الأمراء دون العلماء، وكان بينه وبين أستاذي الشيخ العلامة‏:‏ محمد صدر الدين خان الدهلوي - صدر الصدور بها - مودة أكيدة، ومحبة شديدة، لأنهما كانا شريكين في الاشتغال على أستاذ واحد، وعلى أبيه الفاضل‏:‏ فضل إمام، ومع ذلك يسخط أستاذي عليه في بعض أموره‏.‏

منها‏:‏ ردُّه على الشيخ، الحافظ، الواعظ، المحدث، الأصولي، الحاج، الغازي، الشهيد‏:‏ محمد إسماعيل الدهلوي، ويقول‏:‏ لا أرضى منك ذلك، وليس هذا بعشك؛ ثم رأيت ‏(‏3/ 255‏)‏ ولده‏:‏ الفاضل، الفلسفي، المولوي، الشيخ‏:‏ عبد الحق بن فضل حق في سفري إلى دهلي، في سنة 1294، فوجدته أيضا كهلا في العمر، وبارعا في العلم، ومهذبا في الخلق، وقد كتب كراسة في الشرح لرسالتي في أصول الفقه، المسماة‏:‏ ‏(‏بحصول المأمول، من علم الأصول‏)‏، وهي داله على سعة علمه في هذا الفن - حياه الله وبياه -، والذي لا يرتضيه منه أهل العلم بالكتاب والسنة، مشيه على طريقة أسلافه من‏:‏ الانهماك في الفلسفة، وما يليها، وعدم المبالاة بالعلوم الإسلامية، وما يضاهيها، - والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم -‏.‏

ولطالما خطر ببالي أن أكتب كتابا مستقلا في‏:‏ تراجم علماء الهند وفضلائها، إلى أن سوَّدت أوراقا في ذلك، ثم شغلني عنها عوائق الزمان، ولم يتيسر لي تهذيبها إلى الآن، - ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا -، فاقتصرت في هذا الكتاب - هذه الساعة - على ذكر جماعة خاصة منهم مشهورة، وأعرضت عن ذكر الباقين - لا سيما المعاصرين -، لوجوه ليس هذا موضع ذكرها، كيف وليس في المعاصرين من يكون في طبقة الراسخين من العالمين‏؟‏‏!‏

 

المولوي‏:‏ محمد باقر النائطي، المدراسي

المتخلص‏:‏ بآكاه، أصله من بيجابور، وولد في ديلور، في سنة 1158، كان عالما، شاعرا، يعرف العلوم العجيبة، والفنون الغريبة، لم يقم من كرنائك مثله في الفضائل الجليلة، ولم يدرس في بلدة مدراس غيره من أهل الفواضل الجميلة، له يد طولى في الأدب، وبراعة كاملة في لسان العرب، وقفت له على أبيات في الرد على الشيعة، وكان شافعي المذهب‏.‏

مات - رحمه الله - في سنة 1220 الهجرية‏.‏

 

الشاه‏:‏ عبد القادر، المتخلص‏:‏ بمهربان، المعروف‏:‏ بالفخري

أصله من السادة النقوية، الساكنة بنيشابور، انتقل بعض أسلافه إلى قصبة كنتور - من مضافات لكهنؤ -، ووالده‏:‏ السيد شرف الدين خان، ألقى عصا التسيار ببلدة أورنك آباد، واختص بقضاء بلدة ‏(‏روضة‏)‏، وهناك ولد الفخري، في سنة 1143، وحفظ القرآن، ‏(‏3/ 256‏)‏ واكتسب العلوم العقلية والنقلية، ودرس، وطالع كتب‏:‏ التفسير، والحديث، والتصوف، حتى صار بارعا في ذلك كله، ولبس خرقة الطريقة القادرية، يتخلص مرة‏:‏ بالفخري، وأخرى‏:‏ بمهربان؛ له شعر مدون، ذكر له أستاذه‏:‏ آزاد ترجمة في تذكرته، وأثنى على ذكائه وفطنته كثيرا، جلس على كرسي الإفادة، ومسند الإرشاد، وأفنى عمره في هداية العباد، وتكميل الزهاد‏.‏

ورحل في أواخر المائة الثانية عشر إلى ‏(‏مدراس‏)‏، وأقام بها مفيدا مفيضا، وعظمه نواب والاجاه تعظيما جليلا، وحسّن العقيدة فيه، إلى أن مات - رحمه الله - في سنة 1204، ودفن بخانقاه، الواقع بقصبة ميلابور، من مضافات مدراس‏.‏

 

الشيخ، الفاضل، المفيد، القاضي، المفتي‏:‏ محمد سعد الله المراد آبادي

- رحمه الله -، لم أره، ولكن كان بيننا وبينه الكتابة والخط، أهدى إلينا رسائل من مؤلفاته، وأتحفت إليه كتبا من مصنفاتي، فاستحسنها كثيرا، وأثنى عليه ثناء كبيرا، وطلبت من ترجمته، فكتب إلينا ما تعريبه‏:‏

ولدت بمراد آباد، في سنة 1219، تاريخه‏:‏ ‏(‏ظهور حق‏)‏، وأيضا ‏(‏بيدار بخت‏)‏، اكتسبت في زمن الصبا الكتب الفارسية من معلمي المكاتب، ورحلت إلى رامفور، ونجيب آباد، مراهقا؛ وقرأت مختصرات الصرف، والنحو، عند المولوي‏:‏ عبد الرحمن القهستاني - تلميذ بحر العلوم، الملا‏:‏ عبد العلي اللكنوي -، وفي سنة 1239 وصلت إلى دهلي، وحضرت في مجالس الوعظ للشاه‏:‏ عبد العزيز، وغيره من أكابر البلدة، وكان يحلل الغوامض المستفسرة عنها بالإرشادات اللسانية، وحصلت بعض الكتب الدرسية من المولوي‏:‏ محمد حياة اللاري الفنجاني، وأخوند شير محمد خان الفاضل، والمفتي الكامل‏:‏ محمد صدر الدين خان‏.‏

ثم رحلت في سنة 1243 إلى بلدة لكهنؤ، وأكملت التحصيل في خدمة المولوي‏:‏ محمد أشرف، والمولوي‏:‏ محمد ظهور الله، والمولوي‏:‏ محمد إسماعيل المراد آبادي، والمولوي‏:‏ حسن علي المحدث، وأقمت هناك مدة اثنتين وعشرين سنة، وسافرت ‏(‏3/ 257‏)‏ في سنة‏.‏‏.‏‏.‏ إلى الحرمين الشريفين، ورجعت إلى لكهنؤ، وبعدما انقلبت سلطنة أَوَدْ، وتسلطت عليها النصارى، جئت إلى رامفور قبل الفساد الواقع في مملكة الهند، وأنا نزيلها إلى يومنا هذا‏.‏

ومن مؤلفاته‏:‏ ‏(‏القول المأنوس، في صفات القاموس‏)‏، و ‏(‏ميزان الأفكار، شرح معيار الأشعار‏)‏، و ‏(‏نوادر الوصول، في شرح الفصول‏)‏، و ‏(‏حاشية شرح السلم‏)‏ لحمد الله، و ‏(‏حاشية شرح الجغميني‏)‏، و ‏(‏زاد اللبيب، إلى دار الحبيب‏)‏، و ‏(‏محصل العروض‏)‏، مع شرحها‏.‏‏.‏‏.‏ إلى غير ذلك، مما لم يتم‏.‏ انتهى بلفظه الشريف‏.‏

وقد طلبته لقضاء بلدة بهوبال المحمية، وأراد الرحلة إليها، لكن سبق القضاء، فتوفي - رحمه الله - في سنة 1293 الهجرية‏.‏

وطلبت منه تراجم علماء بلدة رامفور، فكتب شيئا منها، وذكر منهم‏:‏

المولوي‏:‏ محمد حسن السهالوي اللكنوي، وكتب أنه كان من أشهر علماء هذه البلدة، جاء في عهد نواب فيض الله خان إلى رامفور، وأقام بالمحلة المعروفة‏:‏ بالمدرسة، وله أولاد‏.‏

والمولوي‏:‏ محمد إسحاق‏.‏والمولوي‏:‏ موسى‏.‏

والمولوي‏:‏ عبد الله؛ وهؤلاء الثلاثة هاهنا، ورأيت له ولدين بلكنؤ، وهما‏:‏ المولوي غلام يحيى، والمولوي غلام زكريا‏.‏

ومن مؤلفاته‏:‏ ‏(‏شرح السلم والمسلم‏)‏، و ‏(‏الحواشي‏:‏ على الزواهد، وعلى شرح هداية الحكمة‏)‏، و ‏(‏الشمس البازغة‏)‏، و‏(‏معارج العلوم‏)‏، وغيرها، وهي معروفة‏.‏

ومن أرشد تلاميذه‏:‏ المولوي‏:‏ محمد مبين اللكنوي، والمولوي‏:‏ عماد الدين اللبكني، مات - رحمه الله - في رامفور، ودفن بمقبرة نواب محمد علي خان، والد نواب أحمد علي خان، تشرفت بزيارته حيا‏.‏

ومنهم‏:‏ الملا عبد العلي، بحر العلوم، قدم برامفور في زمن نواب فيض الله ‏(‏3/ 258‏)‏ خان، وتقررت له وظيفة مائة ربية في كل شهر، ثم سافر بعد سنة إلى مدراس، وعظم قدومه نواب محمد علي خان والي صوبة أركات، له من التأليفات‏:‏ الحواشي، والتعليقات، والشروح، على أكثر الكتب الدرسية، وكان شديد البغض لمذهب الرفض، مات بمدراس - رحمه الله -‏.‏

وكان حينئذ برامفور الملا‏:‏ عمران، والد المولوي‏:‏ خليل الرحمن - صاحب حاشية الدوار على الدائر -؛ والمولوي‏:‏ رستم علي؛ والمولوي‏:‏ غلام بني الشاهجهانفوري، ولهما‏:‏ حواش على رسالة مير زاهد؛ والمولوي‏:‏ محمد جيلاني - صاحب جنكنامه -؛ وهؤلاء كلهم تتلمذوا على بحر العلوم‏.‏

ثم اشتهر الملا‏:‏ أحمد الولايتي - تلميذ المولوي‏:‏ بركت - في العلوم الدرسية والفلسفية اشتهارا، وإليه تنتهي سلسلة علماء هذه البلدة، وكان المفتي‏:‏ شرف الدين ختنا له؛ تتلمذ على أحمد جماعة من أهل العلم، منهم‏:‏

المولوي‏:‏ رستم علي؛ والمولوي‏:‏ هدايت علي؛ وغيرهما‏.‏

ومن أكابر علماء هذه البلدة‏:‏

المولوي‏:‏ سلام الله، من أولاد الشيخ‏:‏ عبد الحق الدهلوي؛ كان جامعا للمعقول والمنقول، عارفا بالحديث، مشهورا به، له‏:‏ ‏(‏الكمالين، حاشية الجلالين‏)‏، و ‏(‏المحلى، شرح الموطأ‏)‏، و ‏(‏ترجمة صحيح البخاري بالفارسي‏)‏، و ‏(‏ترجمة الشمائل للترمذي‏)‏ أيضا، وُلد له المولوي‏:‏ نور الإسلام، وبرع في العلوم العقلية والنقلية - لا سيما علم الرياضي -‏.‏

ومنهم‏:‏ السيد، المولوي‏:‏ حيدر علي؛ جاء في صغر السن، وتتلمذ على المولوي‏:‏ عبد الرحمن القهستاني، الدكني أولا؛ وعلى المولوي‏:‏ محمد جيلاني ثانيا؛ وكمل التحصيل، وتزوج بابنته، واختص بختانته، وكان بارعا في علم الطب، له يد طولى ‏(‏3/ 259‏)‏ في ذلك، خرج في آخر عهد نواب أحمد علي خان إلى طونك، وارتفع بها شأنه وقدرته، ومات هناك‏.‏

قلت‏:‏ له تقريظ على رسالتنا المسماة‏:‏ ‏(‏بكلمة الحق، في رد علم المولد‏)‏، وكان من أحباب والدنا المرحوم، وكان بيننا وبينه الخط والكتابة، وكان قصير القامة، نحيف البدن، ومن مؤلفاته‏:‏ ‏(‏صيانة الأناس، عن وسوسة الخناس‏)‏ بالهندية، و ‏(‏رسالة في‏:‏ إثبات رفع اليدين، في المواضع الأربعة من الصلاة‏)‏، حررها ردا على المولوي‏:‏ محبوب علي الدهلوي بالفارسية؛ وكان يدرس، ويطبب، وينفع الناس‏.‏ انتهى قولي‏.‏

وأما الموالي الآخرون الذي اجتمعوا في رامفور، وهم‏:‏ الملا‏:‏ محمود الولايتي؛ والملا‏:‏ كمال - والد المولوي‏:‏ جلال الدين -؛ والملا‏:‏ عبد اللطيف الفقيه؛ والملا‏:‏ نسيم المنطقي؛ والملا‏:‏ جمال الصيرفي؛ والملا‏:‏ عبد الرحيم؛ والملا‏:‏ عبد الله البكلوي؛ والملا‏:‏ غفران، المعروف‏:‏ بروايت كش؛ والمولوي‏:‏ محمد حياة؛ والمولوي‏:‏ محمد علي - ابن أخت زوجة المفتي‏:‏ محمد شرف الدين -؛ والمولوي‏:‏ إسحاق - ولد الملا‏:‏ أحمد المذكور -؛‏.‏‏.‏‏.‏ إلى غير ذلك، فلم تبق منهم آثار التأليف؛ وكان الملا‏:‏ عياض - تلميذ المفتي‏:‏ محمد شرف الدين - رجلا بحاثا، يباحث ويناظر كل واحد، له كتاب‏:‏ ‏(‏دستور المنتهى‏)‏ في الصرف، ألفه في مقابلة دستور المبتدي، واختار لفظ الشك والفك، مكان السؤال والجواب، واصطلح عليهما فيه‏.‏

ومن مؤلفات المفتي‏:‏ شرف الدين‏:‏ ‏(‏كتاب سراج الميزان‏)‏ في المنطق،

و‏(‏شرح السلم إلى مقام لا يحد ولا يتصور‏)‏، وبعض الفتاوى الفقهية‏.‏

قلت‏:‏ وكان شرا في الدين، لا شرف الدين، كما سماه بذلك سيدي الوالد - قدس سره -‏.‏

وكان أبعد خلق الله من السنة، مع حفظ الحواشي، والشروح الكثيرات، للكتب الدرسية المتداولة، منتصرا للبدعة، رادا على أهل الحق بخرافاته، محبا للدنيا - عفا الله عنه ما جناه -

وأما علماء هذا العهد فمنهم‏:‏

المولوي‏:‏ عبد الحق بن المولوي‏:‏ فضل حق؛ ‏(‏3/ 260‏)‏ والفاضل، المولوي‏:‏ حيدر علي الفيض آبادي - صاحب ‏(‏منتهى الكلام‏)‏ -؛ والمولوي‏:‏ سديد الدين خان - ولد المولوي‏:‏ رشيد الدين خان الدهلوي -؛ والمولوي‏:‏ عبد العلي المنطقي؛ والمولوي‏:‏ حسن شاه المحدث؛ والمولوي‏:‏ محمود عالم؛ والمولوي، الحافظ‏:‏ لطف الله - ولدنا -‏.‏ انتهى كلام المفتي‏:‏ محمد سعد الله - رحمه الله - مع زيادة يسيرة عليه‏.‏

وقد لاقيت الأول والثاني من هؤلاء الجماعة، ببلدة بدهلي، وتأتي إلينا خطوطهم‏.‏

وممن يعد في العلماء ببلدة رامفور‏:‏ إرشاد حسين، ولكنه ليس برشيد، ولا مرشد، بل رجل متصوف، متفلسف، مقلد، وأي مقلد‏!‏ - والمهدي من هداه الله -‏.‏

والمولوي‏:‏ لطف الله - ولد المولوي، المفتي‏:‏ محمد سعد الله -، جاء إلى بهوبال، وصار ملازما بالرياسة، وَجدتُه عالما، صالحا، ذا متانة، وتقاوة، على قدم أبيه المرحوم، ولما توفي والده ترك التعلق، ورحل إلى رامفور، وصار هناك قائمقام أبيه، - لطف الله به، وأحسن إليه -، وقد أعاننا على بعض الكتب المطلوبة لنا بالاستعارة - جزاه الله خيرا -‏.‏

 

الشيخ‏:‏ عبد الغني بن أبي سعيد العمري

نزيل المدينة المنورة حالا، وُلد في شعبان، سنة 1235 بدهلي - دار ملك الهند -، حفظ القرآن، واقتنى الفقه على مذهب النعمان، وحصلت له الإجازة من علماء الهند، والحجاز، فاشتغل بدرس الحديث، ورواية الأثر ببلدته، وألّف ذيلا على سنن ابن ماجة، سماه‏:‏ ‏(‏إنجاح الحاجة‏)‏، وقد طبع على هامشها بدهلي، وله غير ذلك من المؤلفات‏.‏

ثم لما وقعت الفتنة في الهند، وتسلط العلوج على دهلي، توجه في رهطه إلى أرض العرب، فقدم مكة المكرمة أولا، ورحل إلى المدينة المنورة ثانيا، وهو اليوم نزيلها، مواظب على ما عوده من الوظائف، رأيته بدهلي مرارا، ثم لقيته بالطيبة الطابة آخرا، في سنة 1285 - سلمه الله تعالى -‏.‏

ومشائخه الذين أخذ منهم العلم، وانتفع بهم، جَمْعٌ أجلّة منهم‏:‏ ‏(‏3/ 261‏)‏

والده‏:‏ الشيخ أبو سعيد، قرأ عليه كتاب الموطأ لمحمد بن حسن الشيباني، وأخذ منه طريقة الصوفية، وصار مجازا بها، وبسائر ما وصل إليه من أشياخه، وصحبه في حجته، وحصلت له دعوة بركته‏.‏

ومنهم‏:‏ الشيخ مخصوص الله بن مولانا رفيع الدين الدهلوي، قرأ عليه كتاب المشكاة للخطيب التبريزي، وكان مقريا في دروس عمه الشيخ‏:‏ عبد العزيز بعد ما توفي أبوه، رأيته بمنزله في دهلي، ووجدت فيه عصبية على بعض الفقهاء الحنفية، وكان موصوفا بالصلاح، مات في سنة 1273‏.‏

ومنهم‏:‏ الشيخ، أبو سليمان‏:‏ إسحاق - ابن بنت الشيخ عبد العزيز -، وأخذ من جده المذكور، وجلس بعده مجلسه، وكان معروفا بالزهد والصلاح، وله مؤلفات بالفارسية، يتعاطاها عوام أهل الهند، هاجر إلى مكة المكرمة، وأقام بها سنين، ثم توفي بها عام 1262‏.‏

ومنهم‏:‏ الشيخ محمد عابد السندي، الأنصاري، نزيل المدينة المنورة، قرأ عليه بعض صحيح البخاري، وأجاره بباقيه، وكتب له الإجازة العامة، برواية الكتب السنة التي أوردها في كتابه‏:‏ ‏(‏حصر الشارد‏)‏‏.‏

ومنهم‏:‏ الشيخ أبو زاهد إسماعيل بن إدريس الرومي، ثم المدني، أجازه كذلك إجازة عامة مكاتبة - والله أعلم بالصواب -، ثم توفي - رحمه الله - سنة 1296، بالمدينة المنورة‏.‏